المشركين حينَ سماع ما تقدم من هذه القصة، أنها مفتراةٌ لاستغرابهم هذا السبك في الجدال والقُوَّةَ في الاحتجاج؛ فكان إيراد هذه الآية تجديدًا للردِّ عليهم، وتجديدًا لِنشاطِهم.
قوله تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها؛ أن الله سبحانه وتعالى لَمَّا أخبر أنَّ نوحًا قد أكثرَ في حجاجهم وجدالهم، وأنه كلما ازدادَ في ذلكَ زَادُوا عتوًّا وطغيانًا حين تعجَّلوا منه العذابَ، وقالوا له: ائتنا بما تَعِدُنا إن كنتَ من الصادقين .. أرْدَفَ ذلك بذكر ما أَيْأسَه من إيمانهم، وأعلمه بأنَّ ذلك كالمحال الذي لا يكون، فالجدالُ والحجاجُ معهم عبث ضائع؛ فلن يؤمن إلا من قد حَصَلَ منه إيمان من قبل، فإِيَّاك أن تَغْتَمَّ على ما كان منهم من تكذيب في تلك الحقبة الطويلة، فقد حَانَ حِينُهُم، وأزِفَ وقت الانتقام منهم.
قولُه تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ...} الآيات، هذه الآيات غايةٌ لما ذكر قبلها من الاستعدادِ لهلاكهم، ومقابلةِ السخرية بغير ابتئاسٍ ولا ضجرٍ.
قوله تعالى {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ ...} الآيات الثلاث الأُولى تبيِّنُ أنَّ حُكْمَ الله في خلقه العدل بلا محاباة لولي ولا نبيٍّ وأنَّ الأنبياء قد يجوز عليهم الخطأ في الاجتهاد، ويعد ذلك ذنبًا بالنظر إلى مقامهم الرفيع، ومعرفتهم بربهم، وذلك مَا عرض له نوحُ عليه السلام من الاجتهاد في أمر ابنه الذي تخلَّف عن السفينة فَكَانَ من المغرقين، كما أنَّ في الآية الأخيرةِ استدلالًا على نبوة محمدِ - صلى الله عليه وسلم - وطلب صبره على أذى قومه.
التفسير وأوجه القراءة
٣٥ - و {أَمْ} في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} منقطعة تقدر ببَلْ الإضرابية، وبهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي: بل أيقول مشركو مكة: إنَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - افتراه؛ أي: اختلق خبر قوم نوح عليه السلام، وجاءَ به من عند نفسه، أو اختلقَ القرآنَ، وافتراه من عندِ نفسه، فأمره الله سبحانه وتعالى أنْ يجيبهم بقوله:{قُلْ} لهم