للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي ذلك العذابُ الذي جازيناهم به من البعث على العمى والبكم والصمم هو جزاؤهم الذي يستحقونه على تكذيبهم بالبينات والحجج الّتي جاءتهم، وعلى استبعادهم وقوع البعث، وقولهم: أبعد ما صرنا إلى ما صرنا إليه من البلى، والهلاك، والتفرق في أرجاء الأرض نعاد مرة أخرى؟ استنكارًا منهم، وتعجبًا من أن يحصل ذلك،

٩٩ - ثم استدل على البعث، فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} {الهمزة} فيه للاستفهام التقريري، داخلة على محذوف، و {الواو} عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألم يتفكروا ولم يعلموا {أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} من غير مادّةٍ مع عظمهما، {قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} في الصغر على أن المثل مقحم، والمراد بالخلق: الإعادة؛ أي: من هو قادر على خلق هذا، فهو على إعادة ما هو أدنى منه أقدر.

والمعنى: أي ألم يعلموا ولم يتدبّروا أنّ الذي خلق السموات والأرض ابتداعا على غير مثال سابق، وأقامهما بقدرته قادرٌ على أن يخلق أمثالهم من الخلق بعد فنائهم، وكيف لا يقدر على إعادتهم، والإعادة أهون من الابتداء؟.

وبعد أن أثبت أنّ البعث أمر ممكن الوجود في نفسه .. أردف ذلك بأن لحصوله وقتًا معلومًا عنده، فقال: {وَجَعَلَ لَهُمْ}؛ أي: لإعادتهم، وقيامهم من قبورهم {أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ}؛ أي: غير مرتاب فيه؛ أي: أجلًا مضروبًا، ومدة مقدرة لا بدّ من انقضائها، لا يعلمها إلا هو، كما قال: {وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤)} وجملة {جَعَلَ} معطوفة على جملة {أَوَلَمْ يَرَوْا} بنفسها، فليس داخلًا في حيز الاستفهام، أو مستأنفة، لأنه في قوة قد رأوا لأن الاستفهام تقريريٌّ، والمعنى (٢) قد علموا أنّ من قدر على خلق السموات والأرض، فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس، وجعل لهم ولبعثهم أجلًا محققًا، لا ريب فيه هو يوم القيامة.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.