للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا وهو بالغ ما قدر له، لا يزيد ذلك ولا ينقص منه، ولا أحد مقدر له قصر العمر بزائد على ما قدر له في الكتاب الذي كتب له، وذلك لحفظ الموازين في الأرض حتى ينتظم العمران، ولو لم يكن على هذا النحو لاختلط الحابل بالنابل، وساء حال الكون؛ إذ يكثر الناس، وتزدحم الأرض، ويشتد الكرب، ومن ثَمّ تفاوتت الأعمار في جميع الأمصار، وكانت بمقدار، واعتدل النظام بالمرض والموت والوباء والحرب.

{إِنَّ ذَلِكَ} النظام البديع للعالم هين على الله؛ لعلمه الشامل وعدم خفاء شيء عليه.

١٢ - ثم ذكر سبحانه نوعًا آخر من بديع صنعه وعجيب قدرته فقال: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} العذب والملح، وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر. إنما سُمي (١) العذب بحرًا؛ لكونه مع الملح، كما يقال للشمس والقمر: قمران بالتغليب. قال في "إخوان الصفا": فإن قيل: ما البحار؟ يقال: هي مستنقعات على وجه الأرض، حاصرة للمياه المجتمعة فيها. {هَذَا} البحر {عَذْبٌ}؛ أي: طيب حال. {فُرَاتٌ}؛ أي: بليغ عذوبته وحلاوته بحيث يكسر العطش. {سَائِغٌ شَرَابُهُ}؛ أي: سهل، انحدار مائه في الحلق لعذوبته، فإن العذب لكونه ملائمًا للطبع تجذبه القوة الجاذبة بسهولة.

وقرأ الجمهور (٢): {سَائِغٌ} اسم فاعل من ساغ، وقرأ عيسى بن عمر: {سيغ} على وزن فيعل؛ كميت، وجاء كذلك عن أبي عمرو وعاصم، وقرأ عيسى أيضًا: {سيغ} مخففًا من المشدد كميت مخفف ميت. {وَهَذَا} البحر الآخر {مِلْحٌ}؛ أي: ذو ملوحة، وهي طعم الملح؛ أي: طعمه كطعم الملح، وقرأ الجمهور: {مِلْحٌ}، وقرأ أبو نهيك وطلحة بفتح الميم وكسر اللام، وقال أبو الفضل الرازي: وهي لغة شاذة، ويجوز أن يكون مقصورًا من: مالح، فحذف الألف تخفيفًا، وقد يقال: ماء ملح في الشذوذ، وفي المستعمل: مملوح.

{أُجَاجٌ}؛ أي: شديد ملوحته، بحيث يحرق الحلق بملوحته، وهو نقيض


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.