{وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ}؛ أي: وليدرك الكفار فيكم أيها المؤمنون {غِلْظَةً}؛ أي: شدةً عظيمةً وخشونة، وجرأة وصبرًا على القتال وعنفًا في القتال والأسر ونحو ذلك، كما قال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}. والغلظة في زمن الحرب مما تقتضيه الطبيعة والمصلحة، لما فيها من شدة الزجر والمنع عن القبيح.
وفي الآية إيماءٌ إلى أنه قد يحتاج حينًا إلى الرفق واللين وآخر إلى العنف والشدة، لا أن يقتصر على الغلظة فحسب، فإن ذلك مما ينفر، ويوجب تفرق الناس عنهم. وإنما أمروا بذلك في القتال، وما يتصل بالدعوة إلى الإِسلام للإِرشاد، إلا أنه يجب أن تكون حالهم في الأمور العامة مبنية على الرفق والعدل والتؤدة في المعاملة، ومن ثم صار ذلك من أخص صفات المسلمين. وقرأ الجمهور:{غِلْظَةً} بكسر الغين، وهي لغة أسد. وقرأ الأعمش، وأبان بن تغلب، والمفضل، كلاهما عن عاصم، بفتحها، وهي لغة الحجاز. وأبو حيوة، والسلمي، وابن أبي عبلة، والمفضل، وأبان أيضًا، بضمها وهي لغة تميم. وعن أبي عمرو ثلاث اللغات ذكره أبو حيان.
{وَاعْلَمُوا} أيها المؤمنون، {أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى، {مَعَ الْمُتَّقِينَ} الله بالمعونة، والنصرة على أعدائهم، والمراد أن يكون الإقدام على الجهاد بسبب تقوى الله، لا بسبب طلب المال والجاه؛ أي: واعلموا أن الله سبحانه وتعالى معكم أيها المؤمنون بالمعونة والنصر، إذا اتقيتموه وراعيتم أحكامه وسننه وابتعدتم عن التقصير في أسباب النصر والغلب، من إعداد العدة المناسبة للزمان والمكان التي عناها الله تعالى بقوله:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} ومن الثبات والصبر والطاعة وحسن النظام وترك التنازع والاختلاف وكثرة ذكر الله، والتوكل عليه فيما وراء الأسباب والسنن المعروفة.
١٢٤ - {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} من سور القرآن، والحال أن المنافقين ليسوا حاضرين مجلس نزولها، وليس في السورة فضيحة لهم، {فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ}؛ أي: فمن المنافقين فريق، يقول لأصحابه استهزاءً أو للمؤمنين:{أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ} السورة، {إِيمَانًا}؛ أي: تصديقًا ويقينًا. وقرأ الجمهور:{أَيُّكُمْ} بالرفع. وقرأ