للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والامتحان، لا لكون مصالح العباد مختلفة باختلاف الأوقات والأشخاص.

ثم بين أنَّ الشرائع إنَّما وضعت للاستباق إلى الخير، لتجازى كل نفس بما عملت، فقال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} فالخطاب فيه لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: إذا كانت المشيئة قد قضت باختلاف الشرائع لابتلائكم .. فبادروا يا أمة محمد بالأعمال الصالحات التي تقربكم إلى الله زلفى، وسارعوا إلى ما هو خير لكم في دينكم ودنياكم، انتهازًا للفرصة وإحرازًا للفضل والسبق {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)} وإنكم {إِلَى اللهِ} دون غيره {جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ}؛ أي: ترجعون إليه كلكم في الحياة الثانية {فَيُنَبِّئُكُمْ}؛ أي: يخبركم عند الحساب {بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}؛ أي: بحقيقة ما كنتم تختلفون فيه في الدنيا وفي أمور الدين، ويجازي المحسن على قدر إحسانه، والمسيء بإسائته، فاجعلوا الشرائع سببًا للتنافس في الخيرات، لا لإقامة الشحناء والعداوة بين الأجناس والعصبيات، والأثرة والتقدم بالوطن والجنسيات، لا بالعلم والتقوى والفضائل الدينيات. وهذه الجملة كالعلة لما قبلها.

٤٩ - قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} معطوف على الكتاب؛ أي: وأنزلنا عليك الكتاب والحكم بما فيه، وقد استدل بهذا على نسخ التخيير المتقدم في قوله: {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}؛ أي: إنا أنزلنا إليك الكتاب فيه حكم الله وأنزلنا إليك فيه {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ}؛ أي: بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليك {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} من القصاص {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}؛ أي: شهواتهم بالاستماع لهم، وقبول كلامهم، ولو لمصلحة في ذلك، كتأليف قلوبهم وجذبهم إلى الإِسلام، فالحق لا يوصل إليه بطريق الباطل، أي: ولا تتبع أهوائهم في عدم قتل الشريف بالوضيع وعدم قتل الرجل بالمرأة. قال العلماء (١): ليس في هذه الآية تكرار لما تقدم، وإنَّما أنزلت في حكمين مختلفين: أمَّا الآية الأولى: فنزلت في رجم المحصن، وأن اليهود طلبوا منه أن يجلده، وهذه الآية نزلت في شأن الدماء والديات حين


(١) الخازن.