للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن هذا يفهم أن الشريعة (١): هي الأحكام العملية التي تختلف باختلاف الرسل، وينسخ اللاحق منها السابق، وأن الدين: هو الأصول الثابتة التي لا تختلف باختلاف الأنبياء، وهذا العرف البخاري الآن، إذ يخصون الشريعة بما يتعلق بالقضاء وما يتخاصم فيه إلى الحكام.

والخلاصة: أنَّ الشريعة اسم للأحكام العملية وأنَّها أخص من كلمة الدين، وتدخل في مسمى الدين من جهة أن العامل بها يدين لله تعالى بعمله، ويخضع له ويتوجه إليه مبتغيًا مرضاته وثوابه بإذنه. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى أن يجعلكم أمة واحدة ذات شريعة واحدة، ورسول واحد، وكتاب واحد، ومنهاج واحد، تسيرون عليه، وتعملون به بأنَّه يخلقكم على استعداد واحد، وأخلاق واحدة، وطور واحد، في معيشتكم، فتصلح لكم شريعة واحدة في كل الأزمان فتكونون كسائر أنواع المخلوقات التي يقف استعدادها عند مستوى معين، كالطير أو كالنحل .. {لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}؛ أي: جماعة متفقة على شريعة واحدة في جميع الأعصار، من غير اختلاف ولا نسخ ولا تحويل؛ أي: لفعل ذلك، إذ هو داخل تحت قدرته لا يستعصي عليه {ولكن} لم يشأ الله أن يجعلكم أمة واحدة، بل شاء الله أن يجعلكم أمة مختلفة في الشرائع {لِيَبْلُوَكُمْ} ويختبركم {فِي مَا آتَاكُمْ} وأعطاكم من الشرائع المختلفة المناسبة للأزمنة والجماعة، هل تعملون بها منقادين لله تعالى، معتقدين أنَّ اختلافها مبني على الحكم اللطيفة والمصالح النافعة لكم، أم تتبعون الهوى وتقصرون في العمل؟

ومعنى {فِي مَا آتَاكُمْ}؛ أي: فيما (٢) أنزله عليكم من الشرائع المختلفة باختلاف الأوقات والأزمان والرسل، هل تعملون بذلك وتذعنون له، أو تتركونه وتخالفون ما اقتضته مشيئة الله وحكمته، وتميلون إلى الهوى وتشترون الضلالة بالهدى؟ وفيه دليل على أن اختلاف الشرائع هو لهذه العلة، أعني الابتلاء


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.