للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقاربت (١) أن تميل إلى اتّباع مرادهم شيئًا يسيرًا من الميل اليسير، لقوة خداعهم، وشدة احتيالهم، لكن أدركتك العصمة فمنعتك من أن تقرب من أدنى مراتب الركون إليهم، فضلا عن نفس الركون، وهذا صريح في أنه عليه السلام ما همّ بإجابتهم مع قوة الداعي إليها، ودليلٌ على أنّ العصمة بتوفيق الله وعنايته وحفظه، وقرأ قتادة، وابن أبي إسحاق، وابن مصرّف {تركن} بضم الكاف مضارع ركن بفتحها.

وخلاصة ذلك: أنك كنت على أهبة الرّكون إليهم، لا لضعف منك، بل لشدة مبالغتهم في التحيّل والخداع، ولكن عنايتنا بك منعتك أن تقرب من الركون فضلا عن أن تركن إليهم،

٧٥ - ثم توعّده على ذلك أشد الوعيد، فقال: {إِذًا}؛ أي: لو قاربت أن تركن إليهم أدنى ركنة والله {لَأَذَقْناكَ} يا محمّد {ضِعْفَ} عذاب {الْحَياةِ}؛ أي: الدنيا {وَضِعْفَ} عذاب {الْمَماتِ}، أي: الآخرة؛ أي (٢): ضاعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة، فهو - صلى الله عليه وسلم -، لو ركن إليهم .. يكون عذابه ضعف عذاب غيره على مثل هذا الفعل؛ لأن الذّنب من العظيم يكون عقابه أعظم، ومن ثم يعاقب العلماء على زلّاتهم أشدّ من عقاب العامّة، لأنهم يتبعونهم، ونظير ذلك من وجه ما جاء في نسائه - صلى الله عليه وسلم - من قوله: {يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ}.

وكان أصل الكلام (٣): عذابًا ضعفًا في الحياة وعذابًا ضعفًا في الممات بمعنى مضاعفًا، ثم حذف الموصوف، وأقيمت مقامه الصفة، وهو الضعف، ثمّ أضيفت إضافة موصوفها، فقيل: ضعف الحياة، وضعف الممات كما لو قيل: لأذقناك أليم الحياة، وأليم الممات.

وخلاصة ذلك (٤): أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك، وعقدت على الركون همك، لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة، ولصار


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) الشوكاني.