للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ترى إلى أن الميت يبقى بعد مفارقة الروح كالخشب اليابس، ثم في إضافة الروح، إشارة إلى تقديم روح آدم على أرواح الملائكة وغيرها؛ لأن المضاف إلى القديم قديم، وإن كان جسد بعض الأشياء متقدمًا على جسده.

٧٣ - قوله: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ} في الكلام حذف، تدل عليه الفاء، والتقدير: فخلقه فسواه، فنفخ فيه الروح، فسجد الملائكة {كُلُّهُمْ} بحيث لم يبق منهم أحد، إلا سجد {أَجْمَعُونَ} بطريق المعية، بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد. فالأول: لقصد الإحاطة، والثاني: لقصد الاجتماع، قال في «الكشاف»: فإفادا معًا، أنهم سجدوا عن آخرهم، ما بقي منهم ملك إلا سجد، وأنهم سجدوا جميعا في وقت واحد، غير متفرقين في أوقات، وقيل: إنه أكد بتأكيدين، للمبالغة في التعميم.

٧٤ - {إِلَّا إِبْلِيسَ} فإنه لم يسجد، والاستثناء متصل؛ لأنه كان من الملائكة فعلًا، ومن الجن نوعًا، ولذلك تناوله أمرهم، وكان اسم إبليس قبل أن يبلس من رحمة الله تعالى، عزازيل والحارث، وكنيته: أبو كردوس وأبو مرة، كأنه سئل كيف ترك السجود، هل كان ذلك للتروي والتأمل، أو غير ذلك؟ فقيل: {اسْتَكْبَرَ} وتعظم عن السجود لآدم. وسببه أنه كان أعور، فما رأى آثار أنوار التجلي على آدم عليه السلام. وقيل: الاستثناء منقطع على ما هو الظاهر من عدم دخوله فيهم؛ أي: لكن إبليس {اسْتَكْبَرَ} وأنف من السجود جهلًا منه، بأنه طاعة لله تعالى {وَ} كان استكباره استكبار كفر، فلذلك {كانَ مِنَ الْكافِرِينَ}؛ أي (١): صار منهم بمخالفته لأمر الله، واستكباره عن طاعته، أو كان من الكافرين في علم الله سبحانه، أزلا بالذات، وفي الخارج أبدًا باستقباح أمر الله. ولذا كانت شقاوته ذاتية لا عارضية، وسعادته في البين عارضية لا ذاتية، فالعبرة لما هو بالذات، وذلك لا يزول لا لما هو بالعرض، إذ ذاك يزول.

أي (٢): صار من الكافرين، بإبائه عن أمر الله، بعد أن كان مسلمًا عابدًا لله سبحانه مع الملائكة، نحو ثمانين ألف سنة، وطاف بالبيت أربعة عشر ألف عام،


(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.