للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تكذيبهم فقط، وإنكار الله تعالى على عبده أن يفعل به أمرًا صعبًا وفعلًا هائلًا لا يعرف. وفي الآية تسليةٌ للرسول - صلى الله عليه وسلم - وتهديد لقومه.

والمعنى (١): ولقد كذب من قبلهم من الأمم السالفة والقرون الغابرة من أرسلناهم من رسلنا، فحاق بهم من سوء العذاب ما لا مرد له، وحل بهم من اليأس ما لم يجدوا له دافعًا على شدة هوله وعظيم فظاعته.

والخلاصة: أنّ الكفار قبلهم شاهدوا أمثال هذه العقوبات بسبب كفرهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون.

١٩ - ولما حذرهم (٢) ما يمكن إحلاله بهم من الخسف وإرسال الحاصب .. نبههم على الاعتبار بالطير وما أحكم من خلقها، وعلى عجز آلهتهم عن شيء من ذلك، وناسب ذلك الاعتبار بالطير، إذ قد تقدمه ذكر الحاصب، وقد أهلك الله أصحاب الفيل بالطير، والحاصب الذي رمتهم به؛ ففيه إذكار قريش بهذه القصة، وأنه تعالى لو شاء لأهلكهم بحاصب ترمي به الطير كما فعل بأصحاب الفيل؛ فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا} {الهمزة} فيه للاستفهام التوبيخي المضمن للتقرير، داخلة على محذوف، و {الواو} عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أغفل أهل مكة عن التفكر والنظر في مصنوعات الله تعالى ودلائل قدرته، ولم يروا وينظروا {إِلَى الطَّيْرِ} فالرؤية (٣) بصريّة لأنّها تتعدى بـ {إلى}، وأمّا القلبية فتعديتها بـ (في)، والطير يطلق على جنس الطائر - وهو كلّ ذي جناح يسبح في الهواء كما سيأتي - {فَوْقَهُمْ} يجوز أن يكون ظرفًا ليروا، وأن يكون حالًا من الطير؛ أي: حالة كونها كائنات فوقهم {صَافَّاتٍ} حال من الطير. والصف: أن يجعل الشيء على خط مستو كالناس والأشجار، ومفعول {صَافَّاتٍ} وكذا {وَيَقْبِضْنَ} إنّما هو أجنحة الطير لا أنفسها.

والمعنى: ألم يروا إلى الطير فوقهم حالة كونهن صافات وباسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانهن، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفًّا؛ وقوادم الطير: مقاديم ريشه؛ وهي عشر في كل جناح، والواحدة قادمه. {و} حالة كونهن


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.