للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فانطلق إليّ، فقال لي: "قد نمت"، فقلت: لا والله، ولكنّي هممت أن آتي إليك لخوفي عليك، فقال - صلى الله عليه وسلم - لي: "لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم، فأولئك جنّ نصيبين": بلدة قاعدة ديار ربيعة أو مدينة بالشام أو باليمن. فقلت: يا رسول الله، سمعت لغطًا شديدًا، فقال: "إنّ الجنّ اختصموا في قتيل قتل بينهم، فتحاكموا إليّ فقضيت بينهم بالحقّ". وكانت عدة هؤلاء الجن اثني عشر ألفًا.

وأخرج البخاري ومسلم، وغيرهما عن مسروق قال: سألت ابن مسعود من آذن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنّ ليلة استمعوا القرآن؟. قال: آذنته بهم الشجرة.

وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منكم أحد ليلة الجنّ؟. قال: ما صحبه منّا أحد، ولكنّا فقدناه ذات ليلة، فقلنا: اغتيل، استطير، ما فعل؟ قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلمّا كان في وجه الصبح .. إذا نحن به يجيء من قبل حراء، فأخبرناه، فقال: إنّه أتاني داعي الجن، فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن، فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وقد وردت أحاديث كثيرة أنّ الجنّ بعد هذا وفدت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرةً بعد مرةً، وأخذت عنه الشرائع والأحكام الدينية.

٣٠ - ثمّ فصّل ما قالوه لهم في إنذارهم، فقال: {قَالُوا}؛ أي: قال أولئك النفر الجنّيون عند رجوعهم إلى قومهم: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا} فيه إطلاق الكتاب على بعض أجزائه، إذ لم يكن القرآن كلّه منزلًا حينئذٍ. {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ} كتاب {مُوسَى} عليه السلام، وفي الكلام (١) حذف، والتقدير: فوصلوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إلخ. قيل: ذكروا موسى؛ لأنّهم كانوا على اليهودية وأسلموا. قال (٢) سعدي المفتي في "حواشيه": قلت: الظاهر أنَّه مثل قول ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، فقد قالوا في وجهه وعلّته: إنه ذكر موسى مع أنه كان نصرانيًّا، تحقيقًا للرسالة؛ لأنّ نزوله على موسى متفق عليه بين اليهود والنصارى، بخلاف عيسى، فإن اليهود ينكرون نبوّته، أو لأنَّ النصارى


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.