للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإِسلام {وَأَنَّ اللَّهَ} سبحانه {عَلَّامُ الْغُيُوبِ}؛ أي: ما غاب عن الخلق، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء المغيبة، كائنًا ما كان، ومن جملة ذلك ما يصدر عن المنافقين.

أي: ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يعلنون غير ما يسرون به، ويتناجون فيما بينهم بالإثم والعدوان، ولَمْزِ الرسول، أن الله سبحانه وتعالى يعلم السر الكامن في أعماق نفوسهم، الذي يخصون به من يثقون به، ممن هو مشارك لهم في النفاق، وأن الله تعالى يعلم الغيوب كلها, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فكيف يكذبون على الله فيما يعاهدونه به، وعلى الناس فيما يحلفون عليه باسمه.

٧٩ - وقوله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} محله (١) إما الرفع على الابتداء، وخبره قوله الآتي: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} وهو أوضح الإعراب فيه، أو النصب على الذم، أو الجر، بدلًا من الضمير في سرهم ونجواهم، وقرىء: {يَلْمِزُونَ} بضم الميم؛ أي: أولئك المنافقون الذين يلمزون ويعيبون {الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ}؛ أي: يلمزون المتطوعين والمتبرعين من المؤمنين، ويعيبونهم في شأن الصدقات التي هي أظهر آيات الإيمان ويذمونهم في أكمل فضائلهم، ويقولون: ما فعلوها لوجه الله، وإنما فعلوها رئاء الناس، سخر الله منهم، فلَمْزُهم (٢) هنا في مقدارها وصفة أدائها لا فيها نفسها، واللمز هناك؛ أي: في قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ} في قسمتها، وقد جاء في بعض الروايات:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حث على الصدقة، فجاء عمر بصدقة، وجاء عثمان بصدقة عظيمة، وكثير من أصحابه بصدقات، فقال المنافقون: ما أخرج هؤلاء صدقاتهم إلا رياء، وأما أبو عقيل: فإنما جاء بصاعه ليذكِّر بنفسه، فيعطى من الصدقات، والله غني عن صاعه.

وقوله: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} معطوف (٣) على {الْمُطَّوِّعِينَ}


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.