والمعنى: إذا كانت هذه حالهم .. فلا تتخذوا منهم أنصارًا يساعدونكم على المشركين حتى يؤمنوا ويهاجروا ويشاركوكم في سائر شؤونكم، فإن الصادقين في إيمانهم لا يدعون النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه عرضة للخطر، ولا يتركوا الهجرة إلا إذا عجزوا عنها، وإذًا فتركهم لها علامة على نفاقهم الذي اختلفتم فيه. {فَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله تعالى، والمراد بها القتال مع المسلمين مع الإخلاص والنصح؛ أي: فإن أعرضوا عن الهجرة، وأقاموا على ما هم عليه من النفاق، من غير هجرة، ومن غير صدق ونصح مع المسلمين، ولزموا مواضعهم في خارج المدينة .. {فَخُذُوهُمْ} بالأسر إذا قدرتم عليهم {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}؛ أي: أينما وجدتموهم في الحل أو في الحرم، فإن حكمهم حكم سائر المشركين قتلًا وأسرًا، وهذا مشكل من حيث إن المنافقين ينطقون بالشهادتين، ومن نطق بهما لا يجوز أسره ولا قتله إلا أن يحمل هذا على قوم من المنافقين ارتدوا وصرحوا بالكفر. {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ} في هذه الحالة {وَلِيًّا} يتولى شيئًا من مهام أموركم {وَلَا نَصِيرًا} ينصركم على أعدائكم، فإنهم أعداء، وقد استثنى الله سبحانه منهم من تؤمن غائلتهم بأحد أمرين:
٩٠ - أحدهما: ما ذكره بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} وهذا مستثثى من الأخذ والقتل فقط، وأما الموالاة فحرام مطلقًا، لا تجوز بحال، وعبارة الكرخي: قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ} استثناء من ضمير المفعول في: {فَاقْتُلُوهُمْ} لا من قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا} وإن كان أقرب مذكور، لأن اتخاذ الولي منهم حرام بلا استثناء، بخلاف قتلهم، انتهت.
أي: فخذوهم واقتلوهم إلا الذين يتصلون بقوم معاهدين للمسلمين، فيدخلون في عهدهم، ويرضون بحكمهم، فيمتنع قتلهم مثلهم، لأنهم صاروا في أمانكم بواسطة التجائهم إلى المعاهدين، والمعنى: أن من دخل في عهد من كان داخلًا في عهدكم فهم أيضًا داخلون في عهدكم فلا يجوز أخذهم ولا قتلهم.
وثانيهما: ما ذكره بقوله تعالى: {أَوْ} إلا الذين {جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ}؛ أي: أو إلا الذين جاؤوكم، وأتوكم حالة كونهم قد ضاقت صدورهم، وخافت قلوبهم عن قتالكم، وعن قتال قومهم، فلا تنشرح