للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صدورهم لأحد الأمرين، والمعنى: أنهم جاؤوا المسلمين مسالمين لا يقاتلونهم، ولا يقاتلون قومهم معهم، بل يكونون على الحياد، فهم لا يقاتلون المسلمين مع قومهم حفظًا للعهد، ولا يقاتلون قومهم مع المسلمين لأنهم أقاربهم.

والحاصل: أنه سبحانه وتعالى استثنى من المأمور بقتلهم فريقين:

أحدهما: من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين.

والآخر: من أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين، فريق الإِسلام وفريق قومهم، وقبول معذرة الفريقين موافق لما يبنى عليه الإِسلام من التسامح والسماحة وعدم الاعتداء، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا}.

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى تسليطهم عليكم وقتالهم لكم {لَسَلَّطَهُمْ}؛ أي: لسلط هؤلاء المعاهدين من الفريقين {عَلَيْكُمْ} ببسط صدورهم، وتقوية قلوبهم، وإزالة الرعب عنها، {فَلَقَاتَلُوكُمْ} ولم يكفوا عنكم، وهذا في الحقيقة جواب {لو}، وما قبله توطئة له، وهذه اللام هي اللام التي في قوله تعالى: {لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ} وأعيدت تأكيدًا، ولكنه لم يشأ فألقى في قلوبهم الرعب، وقرأ الجمهور (١): {فَلَقَاتَلُوكُمْ} بألف المفاعلة وقرأ مجاهد وطائفة: {فلقتلوكم} على وزن ضربوكم، وقرأ الحسن والجحدري {فلقتلوكم} بالتشديد، والمعنى: أن ضيق صدوركم عن قتالكم إنما هو بقذف الله تعالى الرعب في قلوبهم، ولو قوى قلوبهم على قتال المسلمين .. لتسلطوا عليهم، والمقصود من هذا الكلام أن الله تعالى منَّ على المسلمين بكف بأس المعاهدين، فالله سبحانه بنظامه في الأسباب والمسببات، وسننه في الأفراد والجماعات جعل الناس في ذلك العصر أصنافًا ثلاثةً:

١ - سليمو الفطرة الذين حصفت (٢) آراؤهم، فسارعوا إلى الإيمان، واستنارا بنور الإِسلام.


(١) البحر المحيط.
(٢) يقال: حَصُف حصافة - من باب ظرف - إذا كان جيد الرأي محكم العقل فهو حصيف.