للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي هو مشتمل على التذكرة الكبرى والموعظة العظمى. قال مقاتل: إعراضهم عن القرآن من وجهين: (١) جحودهم وإنكارهم له، (٢) ترك العمل بما فيه.

٥٠ - ثمّ شبّههم في نفورهم عن القرآن بالحمر، فقال: {كَأَنَّهُمْ}؛ أي: كأن هؤلاء المشركين في إعراضهم عن القرآن {حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ}؛ أي: حمر وحشية هاربة مما يفزعها. والجملة حال من الضمير المستكن في {مُعْرِضِينَ} على التداخل. والحمر: جمع حمار، وهو معروف، ويكون وحشيًّا، وهو المراد هنا.

وقرأ الجمهور {حُمُرٌ} بضمّ الميم، والأعمش بإسكانها. ومستنفرة بمعنى نافرة هاربةً، من نفرت الدابّة إذا هربت، لا من نفر الحاج، يقال: نفر واستنفر بمعنى هرب، مثل: استعجب بمعنى عجيب. وقرأ الجمهور (١) {مُسْتَنْفِرَةٌ} بكسر الفاء؛ أي: نافرة، ويناسب الكسر قوله {فَرَّتْ}. وقرأ نافع وابن عامر بفتحها؛ أي: منفّرة مذعورة، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد. قال في "الكشاف": المستنفرة: الشديدة النفار والهرب كأنّها تطلب النفار من نفوسها بسبب أنهم جمعوا نفوسهم للنفار، وحملوها عليه. فأبقى السين على بابها من الطلب.

والمعنى: حال كونهم مشبهين في إعراضهم عن القرآن بحمر نافرة

٥١ - {فَرَّتْ} وهربت {مِنْ قَسْوَرَةٍ} أي: من أسد أو من الرماة لها للاصطياد؛ لأنّ الوحشة إذا عاينت الأسد تهرب أشدّ الهرب، ومثل القسورة الحيدرة وزنا ومعنى وهي فَعْولَةٌ من القسر، وهو القهر والغلبة؛ لأنه يغلب السباع ويقهرها. قال ابن عباس رضي الله عنهما: القسورة هو الأسد بلسان الحبشة، كذا قاله عطاء والكلبي. وقيل: القسورة هي جماعة الرماة الذين يتصيّدونها، ويرمونها، وهو جمع قسور، وهو الرمي، قاله سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن كيسان. وقيل: القسورة: أصوات الناس. وقيل: القسورة أوّل الليل؛ أي: فرت من ظلمة الليل، وبه قال عكرمة وابن الأعرابي. والتفسير الثاني أولى.

شبهوا (٢) في إعراضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ وشرادهم عنه بحمرٍ جدّت في نفارها مما أفزعها، وفيه من ذمهم وتهجين حالهم، ما لا يخفى.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.