للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً}؛ أي: شِدَّة {إِلَى قُوَّتِكُمْ}؛ أي: مع شدتكم، ويضاعفها لكم، وقيل معناه: إنكم إن آمنتم .. يُقوِّكم بالأموال والأولاد، وقَصَدَ (١) هودُ بذلك استمالَتَهم إلى الإيمان بكثرة المطر، وزيادة القوة، وذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى أعْقَمَ أرحامَ نسائهم، فلم تَلِدُ فقال لهم هود عليه السلام: إن آمنتم أرْسَل الله المطرَ فتزدادون مالًا ويعيد أرحام النساء إلى ما كانت عليه، فيَلِدْنَ فتزدادون قُوَّةً بالأموال، والأولاد، وقد كانوا يَهْتَمُّون بذلك، ويَفْخَرُون على الناس، وقيل معناه: تزدادُون قوةً في الدين إلى قوة الأبدان {وَلَا تَتَوَلَّوْا}؛ أي: ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي، حال كونكم {مُجْرِمِينَ}؛ أي: مصرِّينَ على الإجرام والإشراك والآثام، والإجرامُ كَسْبُ الجُرْمِ كالإذناب بكسر (الهمزة) كَسْبُ الذنب.

وعن الحسن (٢) بن علي رضي الله عنهما أنه وَفَد على معاويةَ فلَمَّا خَرَجَ قال لَهُ بَعضُ حُجّابه: إنّي رَجلٌ ذُو مال ولا يُولد لي، علِّمني شيئًا لَعَلَّ الله يرزقني ولدًا، فقال الحسنُ: عليك بالاستغفار، فكان يكثر الاستغفار حتى رَبَّما استغفر في يوم واحد سبع مئة مرة، فوُلد له عشر بنين فبلغ ذلك معاويةَ فقال: هلَّا سأَلْتَه مِمَّن قال ذلك، فوَفَدَ وَفْدةً أخرى فسأله الرجلُ فقال: ألَم تَسْمَعْ قولَ هود: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} وقول نوح: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}.

٥٣ - ثم أجابه قومه بما يَدُل على فَرْطِ جهالتهم، وعظيم غباوتهم، فـ {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ}؛ أي: ببرهان وحجة واضحة على صحة ما تقول، {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي} عبادة {آلِهَتِنَا} وأصْنَامنا التي نَعْبُدُها، وأصله تاركينَ سقطت النونُ للإضافة، وقولُه: {عَنْ قَوْلِكَ} حال مِنَ الضمير في {تاركي} (٣) كأنه قِيلَ: وما نَتْرُكُ آلهتنا صَادِرينَ عن قولك؛ أي: صادرًا تركنا عن قولك بإسناد حال الوصف إلى الموصوف، ومعناه: التعليل، على أَبْلِغ وَجْهٍ لدلالته على كونه عِلَّةً فاعليَّةً،


(١) النسفي.
(٢) النسفي.
(٣) روح البيان.