للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقصارى ما سلف: أن الناس بالنظر إلى دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقسام ثلاثة، كما مر عن الرازي:

١ - عارف صحتها، موقن بصدقها, لا يدور بخلده تردد ولا شك، وهذا هو المؤمن الكامل الذي يخشى ربه.

٢ - متردد متوقف إلى أن يقوم لديه البرهان، فإذا هو سنح له بادر إلى التصديق بها، وهذا أدنى من سابقه.

٣ - شقي معاند لا يلين قلبه للذكرى، ولا تنال الدعوة من نفسه قبولًا، وهو شر الأقسام الثلاثة وأبعدها من الخير.

١٣ - ثم بيَّن عاقبة هذا الأشقى، ومآل أمره فقال: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ} هذا الأشقى {فِيهَا}؛ أي: في النار الكبرى, فيستريح مما هو فيه من العذاب {وَلَا يَحْيَى} حياة طيبة تنفعه كما يقال لمن ابتلي بالبلاء الشديد: لا هو حي ولا هو ميت، ومنه قول الشاعر:

أَلَا مَا لِنَفْسٍ تَمُوْتُ فَيَنْقَضِيْ ... عَنَاهَا وَلَا تَحْيَا حَيَاةً لَهَا طَعْمُ

وأتى (١) بـ {ثُمَّ} المفيدة للتراخي، إيذانًا بتفاوت مراتب الشدة؛ لأن التردد بين الحياة والموت أشد وأفظع من الصلي بالنار.

والمعنى: أي ومن شقي هذا الشقاء، ولقى هذا العذاب بتلك النار يخلد فيها، ولا يقف عذابه عند غاية، ولا يجد لآلامه نهاية، فلا هو يموت فيستريح، ولا يحيى الحياة الطيبة فيسعد بها، ونحو الآية قوله: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}، والعرب تقول لمن هو مبتلى بمرض يقعده: لا هو حي فيرجى، ولا ميت فينعى.

١٤ - {قَدْ أَفْلَحَ}؛ أي: نجا من المكروه، وظفر بما يرجوه {مَنْ تَزَكَّى}؛ أي: تطهير من الكفر والمعاصي، بتذكره واتعاظه بالذكرى، أو تكثره من التقوى والخشية من الزكاء: وهو النماء، وأتى (٢) بكلمة {قَدْ} لما أن عند الأخبار بسوء حال المتجنب عن الذكرى في الآخرة، يتوقع السامع الإخبار بحسن حال المتذكر فيها وينتظره.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.