منصوبٌ على الاختصاص، كأنّه قيل: نريد ونعني بإله آبائك إلهًا واحدًا، وقوله:{وَنَحْنُ لَهُ} سبحانه وتعالى وحده {مُسْلِمُونَ} حالٌ من فاعل نعبد؛ أي: مقرُّون له بالتوحيد وبالعبادة، منقادون. قال تعالى: مشيرًا إلى تلك الذرية الطيبة
١٣٤ - {تِلْكَ} الجماعة المذكورة التي هي إبراهيم، ويعقوب، وبنوهما المُوحِّدون {أُمَّةٌ}؛ أي: جماعةٌ {قَدْ خَلَتْ} ومضت وسلفت بالموت، والأمَّة في الأصل: المقصود، كالعهدة بمعنى: المعهود، وسمّي بها الجماعة؛ لأنَّ فِرَقَ الناس تؤمُّها؛ أي يقصدونها، ويقتدون بها، وهي خبر تلك، وجملة قوله:{قَدْ خَلَتْ} نعتٌ لأمّةٍ؛ تلك الجماعة المذكورة أمّةٌ قد خلت ومضت بالموت، وانفردت عمَّن عداها، وأصله: صارت إلى الخلاء، وهي الأرض التي لا أنيس بها {لَهَا}؛ أي: لتلك الأمة {مَا كَسَبَتْ}؛ أي: جزاء ما عملت من الخيرات، ودَعُوا يا معشر اليهود والنصارى! ذِكْرهم، ولا تقولوا عليهم ما ليس فيهم، وتقديم المسند؛ لقصره على المسند إليه؛ أي: لها كسبها لا كسب غيرها {وَلَكُمْ} يا معشر اليهود والنصارى {مَا كَسَبْتُمْ} لا كسب غيركم؛ أي: جزاء ما كسبتموه من العمل، أي: إنَّ أحدًا من الناس لا ينفعه كسب غيره متقدِّمًا كان أو متأخرًا، فكما أنَّ أولئك لا ينفعهم إلّا ما اكتسبوا، فكذلك أنتم لا ينفعكم إلّا ما اكتسبتم، فلا ينفعكم الانتساب إليهم، بل إنّما ينفعكم موافقتهم واتباعهم {وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: لا تؤاخذون بسيئات الأمّة الماضية، كما أنهم لا يؤاخذون بسيئاتكم، بل كُلُّ فريق يسأل عن عمله لا عن عمل غيره، ففي الكلام حذفٌ، تقديره ولا يسألون عما كنتم تعملون، ودلَّ على المحذوف قوله:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} وذلك لمَّا ادعى اليهود أنَّ يعقوب عليه السلام مات على اليهودية، وأنه عليه السلام، وصَّى بها بنيه يوم مات، ورُدُّوا بقوله تعالى:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ ...} الآية، قالوا: هب أنَّ الأمر كذلك، أليسوا آباءنا، وإليهم ينتمي نسبنا؟ فلا جرم ننتفع بصلاحهم، ومنزلتهم عند الله تعالى. قالوا ذلك: مفتخرين بأوائلهم، فرُدُّوا بأنّهم لا ينفعهم انتسابهم إليهم، وإنَّما ينفعهم اتباعهم في الأعمال، فإنَّ أحدًا لا ينفعه كسب غيره، كما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا صفية عمة محمد! يا فاطمة بنت محمد! ائتوني يوم القيامة بأعمالكم لا بأنسابكم، فإنّي لا أغني عنكم من الله