الأعمال، فلا تخفى عليه خافية من أمرهم، وهو المجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر.
وقد ختم سبحانه وتعالى هذه الآية بتلك الجملة؛ ليحاسب الإنسانُ نفسه على التقوى، فليس كل من ادعاها لنفسه أو تحرك بها لسانه يعد متقيًا، وإنما
١٦ - المتقي من يعلم منه ربه التقوى، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أن الجنة للمتقين .. ذكر شيئًا من صفاتهم فبدأ بالإيمان الذي هو رأس التقوى وأساسه فقال:{الَّذِينَ يَقُولُونَ} بدل من قوله: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين يقولون في الدنيا {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} وصدقنا بك وبرسولك إجابةً لدعوتك {فَاغْفِرْ} اللهم {لَنَا ذُنُوبَنَا} واسترها وتجاوز عنا بعفوك عنها وترك العقوبة عليها {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}؛ أي: وادفع عنا عذاب النار بفضلك وكرمك إنك أنت الغفور الرحيم، وقد خصوا هذا العذاب بالمسألة؛ لأن من زحزح عن النار
١٧ - يومئذٍ .. فقد فاز بالنجاة وحسن المآب، ثم ذكر من أوصافهم ما امتازوا به عن غيرهم، وبه استحقوا المثوبة عند ربهم فقال: أمدح {الصَّابِرِينَ} على تكاليف امتثال المأمورات واجتناب المنهيات، وفي البأساء والضراء وحين البأس {وَالصَّادِقِينَ} في إيمانهم وأقوالهم ونياتهم {وَالْقَانِتِينَ}؛ أي: المطيعين لربهم المواظبين على العبادات وقيل هم المصلون. {المنفقين}؛ أي: الباذلين أموالهم في وجوه الخير، ويدخل فيه نفقة الرجل على نفسه وعلى أهله وأقاربه وصلة رحمه، والزكاة والنفقة في جميع القربات {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}؛ أي: الطالبين من ربهم مغفرة الذنوب في أواخر الليل؛ لأنها وقت إجابة الدعاء، ووقت الخلوة والفراغ. قال لقمان لابنه: يا بني لا يكن الديكُ أكيس منك ينادي بالأسحار، وقيل: المصلين التهجد: في آخر الليل، وهو الوقت الذي يطيب فيه النوم، ويشق فيه القيام، وتكون النفس فيه أصفى، والقلب أفرغ من الشواغل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: مَنْ يدعوني .. فأستجيب له، مَنْ يسألني .. فأعطيه، مَنْ يستغفرني .. فأغفر له" متفق