للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إزالة نعمة البصر عنهم، فيصيروا عميًا، لا يقدرون الى التردد في الطريق لمصالحهم، ولكن أبقينا عليهم نعمة البصر، فضلًا وكرمًا، فحقهم أن يشكروا عليها، ولا يكفروا. وهذا تهديد لأهل مكة بالطمس، فإن الله قادر على ذلك، كما فعل بقوم لوط حين كذبوه، وراودوه عن ضيفه. وإجمال المراد (١): ولو شئنا لأذهبنا أحداقهم، فلو أرادوا الاستباق وسلوك الطريق، الذي اعتادوا سلوكه .. لم يستطيعوا ذلك. وفي «الخازن»: والمعنى (٢): ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى، وتركناهم عميا يترددون، فكيف يبصرون الطريق حينئذ. وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: يعني: لو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم، فأعميناهم عن غيّهم، وحوّلنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى، فأبصروا رشدهم، فأنى يبصرون، ولم نفعل ذلك بهم، انتهى.

وقرأ الجمهور: {فَاسْتَبَقُوا} فعلًا ماضيًا، معطوفًا على {لَطَمَسْنا}. وهو على الفرض والتقدير. وقرأ عيسى بن عمر {فَاسْتَبَقُوا} على الأمر. وهو على إضمار القول؛ أي: فيقال لهم: استبقوا الصراط. وهذا على سبيل التعجيز. إذ لا يمكنهم الاستباق مع طمس الأعين.

٦٧ - ثم زاد في تهديدهم وتوبيخهم، وبيان أنه قادر على منعهم من الحركة، فقال: {وَلَوْ نَشاءُ}؛ أي: ولو أردنا أن نمسخهم، ونحول صورهم الأصلية، ونسقطهم (٣) عن رتبة التكليف ودرجة الاعتبار {لَمَسَخْناهُمْ} لغيرنا وحولنا صورهم، بأن جعلناها قردةً وخنازير، كما فعلنا بقوم داود عليه السلام، أو بأن جعلناهم حجارة ومدرة. وهذا أشد من الأول وأقبح، لأن الأول خروج عن رتبة الإنسانية إلى الحيوانية، وهذا عن الحيوانية إلى الجمادية، التي ليس لها شعور أصلًا وقطعًا {عَلى مَكانَتِهِمْ}؛ أي: في مكانهم ومنزلهم الذي هم فيه قعود. وقال بعضهم: معنى {لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ}؛ أي: لأقعدناهم على أرجلهم


(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) روح البيان.