قطعًا لأطماع أولئك الكفار عن الإغاثة والنجاة من النار، فالوقف على {مِنْ قَبْلُ} حسن، أو ابتدأ كلام من حضرة الله تعالى إيقاظًا للسامعين وخصالهم على النظر في عاقبة أمرهم والاستعداد لذلك اليوم الذي يقول فيه الشيطان ما يقول، فيتوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيّهم، ويتذكروا هول ذلك الموقف ورهبته، فالوقف على {مِنْ قَبْلُ} تام كما هو عند أبي عمرو. والظالمون هم الشيطان ومتبعوه من الإنس؛ لأن الشيطان وضع الدعوة إلى الباطل في غير موضعها، وإنهم وضعوا الإتباع في غير موضعه.
ولما جمع سبحانه فريقي السعداء والأشقياء في قوله:{وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} وبالغ في وصف حال الأشقياء من وجوه كثيرة .. ذكر حال السعداء وما أعد لهم من نعيم مقيم في ذلك اليوم، فقال:{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: صدقوا الله ورسوله، فأقروا بوحدانيته تعالى ورسالة رسله {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛ أي: عملوا بطاعته، فانتهوا إلى أمره ونهيه، والمدخلون هم الملائكة؛ أي: وأدخلت الملائكة الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}؛ أي بساتين تسيل من تحت أشجارها وقصورها الأنهار الأربعة {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: ماكثين فيها أبدًا لا يتحولون عنها ولا يزولون منها {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} متعلق بـ {أُدْخِلَ}؛ أي: ادخلوها بإذن ربهم؛ أي: أدخلتهم الملائكة بأمر ربهم وإذنه وتوفيقه ولطفه وهدايته، هذا على قراءة الجمهور؛ لأنهم قرؤوا:
٢٣ - {وَأُدْخِلَ} على البناء للمفعول. وقرأ الحسن شاذًا:{وأُدخِلُ} على صيغة المتكلم والبناء للفاعل؛ أي: وأنا أدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وعلى هذه القراءة فقوله:{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} متعلق بـ {تَحِيَّتُهُمْ}؛ أي: تحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم تعظيمًا لشأنهم وعناية بأمرهم.
{تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} التحية (١): دعاء بالتعمير، وإضافتها إلى الضمير من إضافة المصدر إلى المفعول؛ أي: تحييهم الملائكة في الجنات بالسلام من