للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقت قوله: {لِأَبِيهِ} آزر، وهو تارخ {وَقَوْمِهِ} أهل بابل، وهو كصاحب موضع بالعراق، وإليه ينسب السحر {مَا تَعْبُدُونَ}؛ أي: أي شيء تعبدونه؟ والاستفهام فيه للتقرير المضمن للتوبيخ، سألهم وقد علم أنهم عبدة الأوثان؛ لينبههم على ضلالهم، ويريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة، وليلزمهم الحجة.

فإن قلت (١): لم قال إبراهيم هنا في السؤال {مَا تَعْبُدُونَ}، وقال في الصافات؛ {مَاذَا تَعْبُدُونَ} بزيادة (ذا)، فما الفرق بين الموضعين؟

قلتُ: الفرق بينهما أنه لما وقع الجواب منهم هنا بقولهم: {نَعْبُدُ أَصْنَامًا} سألهم بـ {مَا} الموضوعة لمجرد الاستفهام، وهناك لما لم يجيبوه سألهم بـ {ماذا} مبالغة في توبيخهم، ولهذا زاد هناك في التوبيخ، فقال: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧)} فذكر في كل سورة ما يناسب ما ذكر فيها، والله أعلم بأسرار كلامه.

والمعنى: أي (٢) واتل يا محمد على أمتك أخبار إبراهيم الخليل إمام الحنفاء؛ ليقتدوا به في الإخلاص والتوكل على الله وعبادته وحده لا شريك له، والتبري من الشرك، وقد أوتي الرشد من صغره، فهو من حين نشأ وترعرع أنكر على قومه عبادة الأوثان، فقال لأبيه وقومه: ماذا تعبدون؟ وهو مشاهد راء له ليعلمهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة في شرع ولا عقل، روي أن أصنامهم كانت من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب،

٧١ - فأجابوه إجابة المفتخر بما يفعل المزهو بجميل ما يصنع، كما ذكره بقوله سبحانه: {قَالُوا}؛ أي: قال أبوه وقومه {نَعْبُدُ أَصْنَامًا} وهي اثنان وسبعون صنمًا، جمع صنم، والصنم: ما كان على صورة ابن آدم من حجر أو غيره، كما في "فتح الرحمن" {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}؛ أي: فنقيم على عبادتها طول النهار، وإنما قالوا: {فَنَظَلُّ}؛ لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل، أو معناه الدوام، وإنما لم يقتصروا على قولهم: {أَصْنَامًا} بل أطنبوا في الجواب بإظهار الفعل وعطف دوام عكوفهم على أصنافهم ابتهاجًا


(١) فتح الرحمن بتصرف.
(٢) المراغي.