قلتُ: قد وقعت جملةُ: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} في قصة قوم لوط، وقصة قوم ثمود بعد ذكر الوعد، وذلك قوله في الأولى:{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ}، وقوله في الثانية {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}، فجِيءَ بالفاء التي للتسبب كما تقول: وعدته، فلما جاء الميعادُ كانَ كَيْتَ وكَيْتَ. وأما قصتا عاد ومدين، فلم تَقَعا بتلك المنزلة؛ وإنما وقَعَتا مبتدأتين، فكان حقهما أن يعطفا بحرف الجمع على ما قبلهما، كما تعطف قصة على قصة، انتهى.
{وَأَخَذَتِ}؛ أي: أهلكت {الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسَهم بالإباء والاستكبار، عن قبول دعوة شعيب وغيرهم بما أخذوا من أموالهم بغير وجه حلال {الصَّيْحَةُ} فاعل، أخذَت، وأنَّث (١) الفعل هنا على لفظ الصيحة، وقال في قصة صالح:{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} فذكّر على معنى الصياح؛ أي: أهلكَتْهم صيحةُ جبريل عليه السلام بقوله: (موتوا جميعًا)، وفي سورة الأعراف:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ}؛ أي: الزلزلة ولعلها من روادف الصيحة المستتبعة لتموج الهواء المفضي إليها، وهذا في أهل قرية شعيب، وأما أصحاب الأيكة فأهلكوا بعذاب الظلة، وهو نارٌ نزلت من السماء أحرقَتْهُم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما أهلك الله أُمَّتَيْن بعذاب واحد، إلا قومَ صالح، وقومَ شعيب أهلكهم الله بالصيحة، غَيْرَ أنَّ قومَ صالح أخَذَتْهُم الصيحة من تحتهم، وقوم شعيب أخذتهم الصيحةُ من فوقهم.
وذلك أنهم أصابهم حر شديد، فخَرَجُوا إلى غيضة لهم فدخلوا فيها، فَظَهَرَتْ لهم سحابة كهيئة الظلة فأحدقَتْ بالأشجار، وأَخذَتْ فيها النار، وصاح بهم جبريل، ورجفَتْ بهم الأرض، فماتوا كلهم، واحترقُوا، فذلك قوله تعالى:{فَأَصْبَحُوا}؛ أي: صاروا {فِي دِيَارِهِمْ}؛ أي في بلادهم أو مساكنهم {جَاثِمِينَ}؛ أي: ساقطينَ ميتينَ، لازمينَ لأماكنهم لا براحَ لهم منها؛ أي: لا زوالَ حالةَ كونهم
٩٥ - {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}؛ أي: كأنهم لم يقيموا في ديارهم أحياء