وحاصل المعنى: أن شأن هؤلاء الخوانين أنهم يستترون من الناس عند اجتراحهم الآثام، إما حياء، وإما خوفًا من ضررهم، ولا يستترون من الله، ولا يستحيون منه بتركها لضعف إيمانهم، إذ الإيمان يمنع من الإصرار وتكرار الذنب، ولا تقع الخيانة من صاحبه إلا عن غفلة، أو جهالة عارضة لا تدوم، فمن يعلم أن الله يراه في حنادس الظلمات .. لا بد أن يترك الذنب والخيانة، حياء منه تعالى، وخوفًا من عقابه، وهو تعالى شاهدهم حين يدبرون ليلًا ما لا يرضى من القول، تبرئة لأنفسهم، ورمي غيرهم بجريمتهم. ثم توعدهم على عظيم جرمهم فقال:{وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}؛ أي: حافظًا لأعمالهم لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات، ولا في الأرض، فلا سبيل إلى نجاتهم من عقابه،
١٠٩ - ثم حذر المؤمنين من مساعدة هؤلاء الخوانين والحدب عليهم فقال:{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} ها حرف تنبيه، والخطاب فيه لقوم من المؤمنين، كانوا يذبون عن طعمة وقومه؛ أي: انتبهوا يا هؤلاء القوم الذي يذبون ويدافعون عن طعمة وقومه، أنتم {جَادَلْتُمْ} وخاصمتم {عَنْهُمْ}؛ أي: عن القوم الخائنين طعمة وقومه، وحاولتم تبرئتهم، وقرأ عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب:{عنه} بالإفراد؛ أي: عن طعمة {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} عند تعذيبهم بذنوبهم يوم الخصم، والحاكم هو الله تعالى المحيط بأعمالهم، وأحوالهم وأحوال الخلق كافة، {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}؛ أي: مجادلًا ومخاصمًا، والوكيل في الأصل القائم بتدبير الأمور، والمعنى: من ذا الذي يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه، والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ؛ أي: فلا يمكن أن يجادل هناك أحد عنهم، ولا أن يكون وكيلًا بالخصومة لهم، فيدافع عنهم العذاب، فعلى المؤمنين أن يراقبوا الله تعالى في مثل ذلك، ولا يظنوا أن من أمكنه أن ينال الفوز والحكم له وأخذه من قضاة الدنيا بغير حق، يمكنه أن يظفر به في الآخرة {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)}.
وفي الآية (١): إيماء إلى أن حكم الحاكم في الدنيا لا يجيز للمحكوم له أن