{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ}؛ أي: فلن أفارق أرض مصر ذاهبًا منها {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} بتركها وبترك بنيامين فيها والرجوع إليه، ضمن (١){أَبْرَحَ} معنى المفارقة، فعدي إلى المعفول، و {أَبْرَحَ} هنا تامة لا ناقصة؛ لأن الأرض لا تحمل على المتكلم، وكأن أيمانهم معقودة على عدم الرجوع بغير إذن يعقوب {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بالخروج منها على وجهٍ لا يؤدي إلى نقض الميثاق، أو بخلاص أخي من يد العزيز بسبب من الأسباب كأن يتركه العزيز لي بإلهام منه تعالى، أو بسبب آخر {وَهُو} سبحانه وتعالى {خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} وأفضلهم؛ لأنه لا يحكم إلا بما هو الحق والعدل، وهو المسخر للأسباب والمقدر للأقدار، والمراد من هذا الكلام الالتجاء إلى الله تعالى في إقامة عذره عند والده يعقوب عليه السلام، ثم أمرهم أن يقولوا لأبيهم ما يزيلون به التهمة عن أنفسهم،
٨١ - فقال:{ارْجِعُوا} يا إخوتي {إِلَى أَبِيكُمْ} يعقوب دوني {فَقُولُوا} له متلطفين بخطابكم: {يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ} بنيامين {سَرَقَ} صواع الملك من ذهب فيما يظهر لنا، فاسترقه وزيره العزيز القائم بالأمر في مصر عملًا بشريعتنا؛ إذ نحن أنبأناه بها بعد أن استنبأنا إياها. وقرأ الجمهور:{سَرَقَ} - ثلاثيًّا مبنيًّا للفاعل - إخبارًا بظاهر الحال. وقرأ ابن عباس وأبو رزين والكسائي في رواية:{سَرَقَ} - مبنيًّا للمفعول - لم يقطعوا عليه بالسرقة، بل ذكروا أنه نسب إلى السرقة. وقرأ الضحاك:{سارق} اسم فاعل، وما عدا قراءة الجمهور شاذ وليس بمتواتر.
{وَمَا شَهِدْنَا} عليه بالسرقة بسماع أو إشاعة أو تهمة، بل ما شهدنا عليه بالسرقة {إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} وشاهدنا؛ إذ رأينا الصواع قد استخرج من متاعه {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} فنعلم أنه سيسرق حين أعطيناك المواثيق، ولو كنا نعلم ذلك لما آتيناك وأعطيناك العهد الموثق علينا، أو المعنى: وما كنا للغيب عالمين، فما ندري أحقيقة الأمر كما شاهدنا، أم هي بخلافه؛ لأن حقيقة الأمر غير معلومة لنا؛ فإن الغيب لا يعلمه إلا الله، فلعل الصواع دس في رحله، ونحن لا نعلم ذلك.