واعلم: أيها الأخ الكريم، أنّ العلم إنما يزداد بصحبة أهله، ولمَّا تخلف المنافقون عن صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. وصفهم الله سبحانه بعدم الفقه، فلا بدَّ من مجالسة العلماء العاملين، حتى تكون الدنيا وراء الظهر، ويجعل الرغبة في الآخرة. وقدورد في الأخبار:"اطلبوا العلم ولو بالصين".
وعن بعضهم قال: رأيت في الطواف كهلًا قد أجهدته العبادة، وبيده عصا، وهو يطوف معتمدًا عليها، فسألته عن بلده، فقال: خراسان، ثم قال لي: في كم تقطعون هذا الطريق؟ قلت: في شهرين أو ثلاثة، فقال: أفلا تحجون كلّ عام؟ فقلت له: وكم بينكم وبين هذا البيت؟ قال: مسيرة خمس سنين، قلت: هذا والله هو الفضل المبين، والمحبّة الصادقة، فضحك وأنشأ يقول:
١٦ - {قُل} يا محمد {لِلْمُخَلَّفِينَ} المذكورين من الأعراب، كرّر ذكرهم بهذا العنوان؛ لذمّهم مرّة بعد أخرى، فإنّ التخلّف عن صحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - شناعة أي شناعة: إنكم {سَتُدْعَوْنَ} وتندبون {إِلَى} قتال {قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}؛ أي: أصحاب قوّة شديدة في الحرب، فعليكم أن تخيروهم بين أمرين: إما السيف، وإما الإسلام، وهذا حكم عام في مشركي العرب والمرتدين، يجب اتباعه، كما بيَّن الأمرين بقوله: إما {تُقَاتِلُونَهُمْ} أبدًا {أَو يُسْلِمُونَ}: كلام مستأنف، كأنّه قيل: لماذا يدعون؟ فأجيب: ليكون أحد الأمرين: إما المقاتلة أبدًا، أو الإسلام لا غير، وأما من عدا المرتدين والمشركين من العرب فينتهي قتالهم بالجزية، كما ينتهي بالإسلام.
يعني: أنّ المراد بـ {قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}: المرتدّون والمشركون مطلقًا، سواء كانوا مشركي العرب أو العجم، بناءً على أنّ من عدا الطائفتين المذكورتين، وهم: أهل الكتاب والمجوس، ليس الحكم فيهم أن يقتلوا إلى أن يسلموا، بل تقبل منهم الجزية، بخلاف المرتدّين، ومشركي العرب والعجم، فإنه لا تقبل منهم