١٩٢ - {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} وأهنته بيانًا للسبب الذي حملهم على دعائه، بأن يقيهم عذاب النار، وهو أن من أدخله النار .. فقد أخزاه؛ أي: أذله، وأهانه غايةَ الإذلال، {وَمَا لِلظَّالِمِينَ}؛ أي: الكافرين {مِنْ أَنْصَارٍ} يمنعونهم من عذاب الله تعالى. والظالم: هو الذي يتنكب الطريقَ المستقيم، وقد وصف الله سبحانه وتعالى من يدخل النار بالظلم؛ للدلالة على أن سبب دخوله إياها: هو جوره، وظلمه، وللتشنيع عليه بهذا العمل القبيح؛ أي: إن هؤلاء المتفكرين الذاكرين، ينظرون إلى هيبة ذلك الرب العلي الذي خلق تلك الأكوان المملوءة بالأسرار، والحكم، فيعلمون أنه لا يمكن أحدًا أن ينتصر عليه، وأن من عاداه. فلا ملجأ له إلا إليه، ويقولون:
١٩٣ - {رَبَّنَا}؛ أي: يا مالك أمرنا {إِنَّنَا سَمِعْنَا}، وأصغينا {مُنَادِيًا}؛ أي: نداء مناد {يُنَادِي}، ويدعو {لِلْإِيمَانِ}؛ أي: إلى الإيمان والتوحيد {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ}؛ أي: ينادي بأن آمنوا وصدقوا، ووحدوا بمتولي أموركم، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه {فَآمَنَّا}؛ أي: سمعنا نداءه فأجبناه، وصدقناه، واتبعناه فيما دعانا إليه من التوحيد والطاعة.
قال ابن عباس (١) وأكثر المفسرين: المنادي هو محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ويدل على صحة هذا القول. قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} وقوله تعالى: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} قال محمَّد بن كعب القرظي: المنادي هو القرآن، قال: إذ ليس كل أحد لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -. ووجه هذا القول أنَّ كل أحد يسمع القرآن، ويفهمه فإذا وفقه الله تعالى للإيمان به. فقد فاز به، وذلك لأن القرآن مشتمل على الرشد، والهدى، وأنواع الدلائل الدالة على الوحدانية فصار كالداعي إليها.
وفي توطئة الدعاء بالنداء إشارة إلى كمال توجههم إلى مولاهم، وعدم غفلتهم عنه مع إظهار كمال الضراعة، والابتهال إلى من عودهم الإحسانَ والأفضالَ.
{رَبَّنَا فَاغْفِرْ}؛ أي: فاستر لنا {ذُنُوبَنَا} الكبائرَ، أو الماضية، ولا تفضحنا