أنهم يبكون بكاءً شديدًا لأجل الحزن والأسف على عدم وجدانهم ما ينفقون ويركبون في خروجهم معك للجهاد في سبيل الله، وابتغاء مرضاته. وهؤلاء، وإن دخلوا في عموم الذين لا يجدون ما ينفقون للجهاد لفقدهم الرواحل، قد خصوا بالذكر اعتناءً بشأنهم، وجعلهم كأنهم قسم مستقل.
وعدم وجود ما يحملون عليه يدخل فيه مراكب النقل، البرية والبحرية والهوائية في هذا العصر، ويتحقق العذر بفقد ما يحتاج إليه منها في كل سفر بحسبه، ويفقد العذر بوجوده، أو المعنى: وليس على من أتوك يسألونك أن تحملهم إلى غزوة تبوك، ثم خرجوا من عندك يبكون لعدم وجدان ما ينفقون في الجهاد سبيل في لومهم، ولذلك سموا البكائين، وهم سبعة من الأنصار: معقل بن يسار، وصخر بن خنساء، وعبد الله بن كعب، وسالم بن عمير، وثعلبة بن عتمة، وعبد الله بن مغفل، وعبد الله بن زيد، فإنهم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا أجد ما أحملكم عليه"، فتولوا وهم يبكون، فحمل العباس منهم اثنين، وعثمان ثلاثةً، زيادةً على الجيش الذي جهزه وهو ألفٌ، وحمل يامين بن عمرو النضريُّ اثنين.
٩٣ - ثم ذكر سبحانه وتعالى من عليه السبيل من المتخلفين، فقال:{إِنَّمَا السَّبِيلُ}؛ أي: طريق العقوبة والمؤاخذة، والطريق هي الأعمال السيئة {علَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} في التخلف عن الغزو، والقعود عن الجهاد {وَهُمْ أَغْنِيَاءُ}؛ أي: والحال أنهم واجدون للأهبة، قادرون على الخروج معك؛ أي إنما الإثم والحرج في التخلف على الذين يستأذنونك فيه، وهم قادرون على الجهاد، وعلى الإنفاق لغناهم، ثم ذكر السبب في استحقاقهم المؤاخذة، فقال:{رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ}؛ أي: رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف، والخالفين من النساء والأطفال والمُعذِّرين من المفسدين وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما هو السبب لاستئذانهم من غير عذر، وهو رضاهم بالدناءة والانتظام في جملة الخوالف، إيثارًا للدعة والراحة، وجملة قوله:{وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}؛ أي: ختم على قلوبهم، وأحاطت بهم خطاياهم وذنوبهم، بحسب سنن الله في