للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإن قَضَتْ مشيئته، وحكمته بتأخِيرِه .. أخَّره {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}؛ أي: بفائتين عمَّا أراده الله بِكُم بهربٍ، أو مدافعة؛ أي: لستم بفائتيه هربًا منه إن أخَّره لحكمة يعلمها، وهو واقع لا محالةَ متى شاء, لأنكم في ملكه وسلطانه، وقدرتُه نافذة عليكم لا يمكن أن تفلِتوا منه، ولا أنْ تَمْتَنِعُوا.

٣٤ - ولمّا قالوا (١) قَدْ جَادَلْتَنَا، وطلبوا تعجيلَ العذابِ، وكانَ مجادلَتُهُ لهم، إنما هو على سبيل النصح، والإنقاذ من عذاب الله قال: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي} وقرأ عيسى بن عُمَر الثقفي: (نَصْحِي) بفتح النون، وهو مصدر، وقرأه الجمهور بضمها، فاحتملَ أن يكونَ مصدرًا كالشكر، واحتمل أن يكونَ اسمًا.

أي: ولا ينفعكم، ولا يفيدكم إنذاري، وتحذيري إياكم عقوبتَه، ونزولَ العذاب بكم {إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} وجوابُ هذا الشرط محذوف، دَلَّ عليه ما قبله، تقديره: إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي الذي أبذُلُه لكم، وأستكثر منه قيامًا مني بحقِّ النصيحة لله، بإبلاغ رسالته، ولكم بإيضاح الحق، وبيان بطلان ما أنتم عليه {إِنْ كَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} ويضلكم عن طريق الهدى والتوحيد، فلا ينفعكم نصحي بمجرد إرادتي له فيما أدْعُوكم إليه، بل يتوقف نَفْعُه على إرادة الله تعالى له، وقد مضت سنته كما دلَّت عليه التجارب، أنَّ النُّصْحَ إنما يقبله المستعد للرشاد، ويرفضه مَنْ غَلَبَ عليه الغيُّ والفسادُ باجتراحه أسْبَابَه من غُرور بِغنًى أو جاهٍ، أو باتباع هَوًى وحبِّ شهوات تمنع من طاعة الله تعالى.

فمعنى الآية (٢): لا ينفعكم نصحي، إن كان الله يريد أنْ يُضِلَّكُم عن سبيل الرشاد، ويَخْذلكم عن طريق الحق.

والخلاصة (٣): أنَّ معنى إرادة الله إغواءَهم: اقتضاءُ سننه فيهم أن يكونوا من


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.