للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهو لا ينفع ولا يضرّ في الدنيا ولا في الآخرة.

وقوله: {وَأَنَّ مَرَدَّنَا}؛ أي: مرجعنا {إِلَى اللهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: بالموت ومفارقة الأرواح الأجسادَ: معطوف على قوله: {إنما تدعونني} داخل في حكمه، وكذا قوله: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ}؛ أي: المجاوزين الحدّ في الضلال والطغيان، كالإشراك وسفك الدماء {هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}؛ أي: ملازموها وخالدون فيها.

والمعنى: وحق أن مرجعنا ومصيرنا إليه سبحانه بالموت أولًا، وبالبعث آخرًا، فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير أو شر، وحق أن المسرفين؛ أي: المستكبرين من معاصي الله هم أصحاب النار، قال قتادة وابن سيرين: يعني المشركين، وقال مجاهد والشعبيُّ: هم السفهاء السفّاكون للدماء بغير حقها، الذين ركبوا أهواءَهم ودسّوا أنفسهم بصنوف المعاصي،

٤٤ - ثم ختم نصحه بكلمة فيها تحذير ووعيد لهم؛ ليتفكروا في عاقبة أمرهم لعلهم يرعوون عن غيهم، فقال: {فَسَتَذْكُرُونَ}؛ أي: فسيذكر بعضكم بعضًا عند معاينة العذاب {مَا أَقُولُ لَكُمْ} من النصائح وتعلمون أني قد بالغت في نصحكم وتذكيركم بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد، فتندمون حيث لا ينفع الندم، وفي هذا الإبهام من التهديد والتخويف ما لا يخفي.

ثمّ ابتدأ كلامًا آخر يبيِّن به اطمئنانه إلى ما يجري به القدر، ويخبئه له الغيب، كما هو دأب المؤمنين الصادقين، فقال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي}؛ أي: أرد أمري وشأني {إِلَى اللهِ} سبحانه وتعالى، وأسلمه إليه وأتوكل عليه ليعصمني من كل سوء، قاله؛ لما أنهم كانوا توعّدوه بالقتل. قال مقاتل: هرب هذا المؤمن إلى الجبل، فطلبوه فلم يقدروا عليه، وقيل (١): القائل هو موسى عليه السلام، والأول أولى.

وحقيقة التفويض: تعطيل الإرادة في تدبير الله تعالى، كما في "عين المعاني": وكمال التفويض أن لا يرى لنفسه ولا للخلق جميعًا قدرةً على النفع والضرّ، كما في "عرائس" البقلي: قال بعضهم: التفويض قبل نزول القضاء، والتسليم بعد نزوله.

ثم ذكر ما هو كالعلة لذلك فقال: {إِنَّ اللهَ} سبحانه وتعالى {بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} يعلم المحق من المبطل، فيحرس من يلوذ به من المكاره ويتوكل عليه؛


(١) الشوكاني.