قال ابن التمجيد (١): إنّ المسلمين لمّا قالوا لهم: لا تفسدوا في الأرض، توهّموا أنّ المسلمين أرادوا بذلك أنّهم يخلطون الإفساد بالإصلاح، فأجابوا بأنّهم مقصورون على الإصلاح، لا يتجاوزون منه إلى صفة الإفساد، فيلزم منه عدم الخلط. فهو من باب قصر الإفراد، حيث توهّموا أنّ المؤمنين اعتقدوا الشركة.
فأجابهم الله تعالى بعد ذلك بما يدلّ على القصر القلبيّ، وهو قوله تعالى:{أَلا} أيّها المؤمنون انتبهوا، واعلموا {إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} فإنّهم لمّا أثبتوا لأنفسهم إحدى الصفتين، ونفوا الأخرى، واعتقدوا ذلك، قلب الله اعتقادهم هذا بأن أثبت لهم ما نفوه، ونفى عنهم ما أثبتوا.
والمعنى: هم مقصورون على إفساد أنفسهم بالكفر، والناس بالتعويق عن الإيمان، لا يتخطّون منه إلى صفة الإصلاح، من باب قصر الشيء على الحكم، فهم لا يعدون صفة الفساد والإفساد، ولا يلزم منه أن لا يكون غيرهم مفسدين.
ثمّ استدرك بقوله:{وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ} أنّهم مفسدون، للإيذان بأنّ كونهم مفسدين من الأمور المحسوسة، لكن لا حسّ لهم حتى يدركوه. قال الشيخ في «تفسيره»: ذكر الشعور بإزاء الفساد أوفق؛ لأنّه كالمحسوس عادة، ثمّ فيه بيان شرف المؤمنين، حيث تولّى جواب المنافقين عما قالوه للمؤمنين.
١٢ - والحاصل: أنّهم أكّدوا ذلك بإنّما المفيدة للحصر، وبالجملة الاسمية المفيدة للدوام والاستمرار. فردّ الله سبحانه عليهم بجملة مؤكّدة بأربع مؤكّدات:{أَلا} التي للتنبيه و {إن} وضمير الفصل، وتعريف الخبر، حيث قال:{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}؛ أي: إنّهم وحدهم هم المفسدون، لا من أوماؤا إليهم من المؤمنين، ولكن لا يعلمون أنّ ما فعلوه فساد؛ لأنّه أصبح غريزة في طباعهم؛ بما تمكّن فيها من الشّبه بتقليدهم أحبارهم الذين أشربت قلوبهم تعظيمهم، والثقة بآرائهم. أو لا يعلمون أنّ الله تعالى يطلع نبيّه صلّى الله عليه وسلّم على فسادهم.
١٣ - {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ} من طرف المسلمين بطريق الأمر بالمعروف، إثر نهيهم عن