للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المنكر إتماما للنصح وإكمالا للإرشاد، فإنّ كمال الإيمان بمجموع الأمرين: الإعراض عمّا لا ينبغي، وهو المقصود بقوله تعالى: {لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}، والإتيان بما ينبغي، وهو المطلوب بقوله تعالى: {آمِنُوا} حذف المؤمن به؛ لظهوره؛ أي: آمنوا بالله وباليوم الآخر، أو أريد: فعلوا الإيمان.

والمعنى: أي (١) وإذا قال لهؤلاء المنافقين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو بعض أصحابه بطريق الأمر بالمعروف نصيحة لهم: آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر إيمانا صادقا، لا يشوبه نفاق ولا رياء. {كَما آمَنَ النَّاسُ}؛ أي: كما آمن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأخلصوا في إيمانكم وطاعتكم لله. والكاف في محل النصب على أنّه نعت لمصدر مؤكّد محذوف؛ أي: آمنوا إيمانا مماثلا لإيمانهم، فما مصدرية أو كافّة؛ أي: حقّقوا إيمانكم كما تحقق إيمانهم. واللام (٢) في النَّاسُ للجنس، والمراد به:

الكاملون في الإنسانية العاملون بقضية العقل، أو للعهد، والمراد به: الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومن معه، أو من آمن من أهل بلدتهم؛ أي: من أهل ضيعتهم: كابن سلام وأصحابه.

والمعنى: آمنوا إيمانا مقرونا بالإخلاص، متمحّضا من شوائب النفاق، مماثلا لإيمانهم.

{قالُوا} مقابلين للأمر بالمعروف بالإنكار المنكر، واصفين للمراجيح الرزان بضد أوصافهم الحسان {أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ} الهمزة فيه للإنكار مع الاستهزاء والسخرية، واللام فيه مشار بها إلى الناس الكاملين، أو المعهودين، أو إلى الجنس بأسره، وهم مندرجون فيه على زعمهم الفاسد. والسفه: خفّة عقل وسخافة رأي، يورثهما قصور العقل، ويقابله الحلم والأناة. وإنّما نسبوهم إليه مع أنّهم في الغاية القاضية من الرشد، والرزانة، والوقار؛ لكمال انهماك أنفسهم في السفاهة، وتماديهم في الغواية، وكونهم ممن زيّن له سوء عمله، فرآه حسنا،


(١) العمدة.
(٢) روح البيان.