للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فمن حسب الضلال هدى يسمّي الهدى لا محالة ضلالا؛ أو لتحقير شأنهم، فإنّ كثيرا من المؤمنين كانوا فقراء، ومنهم الموالي، كصهيب، وبلال، أو للتجلّد وعدم المبالاة بمن آمن منهم على تقدير كون المراد بالناس: عبد الله بن سلام وأمثاله. وقيل: إنّما سفّهوهم؛ لأنّ الصحابة أنفقوا أموالهم في سبيل الله حتى افتقروا، وتحملّوا المشاقّ، فسموهم سفهاء لذلك.

فإن قيل: كيف يصحّ النفاق مع المجاهرة بقوله: {أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ}.

قلنا: فيه أقوال:

الأول: إنّ المنافقين لعنهم الله، كانوا يتكلمون بهذا الكلام في أنفسهم دون أن ينطقوا به بألسنتهم، لكن هتك الله أستارهم، وأظهر أسرارهم عقوبة على عداوتهم، وهذا كما أظهر ما أضمره أهل الإخلاص من الكلام الحسن، وإن لم يتكلموا به بالألسن؛ تحقيقا لولايتهم، قال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} إلى أن قال: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}، وكان هذا في قلوبهم، فأظهره الله تعالى تشريفا لهم وتشهيرا لحالهم. وهذا قول صاحب «التيسير».

والثاني: أنّ المنافقين كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين، فأخبر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بذلك، هذا قول البغويّ.

والثالث: قول أبي السعود في «الإرشاد» حيث قال: هذا القول وإن صدر عنهم بمحضر من المؤمنين الناصحين لهم جوابا عن نصيحتهم، لكن لا يقتضي كونهم مجاهرين لا منافقين، فإنّه ضرب من الكفر أنيق، وفنّ في النفاق عريق؛ لأنّه محتمل للشرّ، كما ذكر في تفسيره، وللخير بأن يحمل على ادّعاء الإيمان، كإيمان الناس، وإنكار ما اهتمّوا به من النفاق على معنى: أنؤمن كما آمن السفهاء والمجانين الذين لا اعتداد بإيمانهم لو آمنوا، ولا نؤمن كإيمان الناس حتى تأمرون بذلك، قد خاطبوا به الناصحين استهزاء بهم مرائين لإرادة المعنى الأخير

وعلى الأول: ردّ الله - سبحانه - ذلك عليهم بجملة مؤكّدة بأربع تأكيدات كالسابقة، حيث قال: {أَلا} فانتبهوا أيّها المؤمنون {إِنَّهُمْ}؛ أي: إنّ المنافقين