هم أصحاب حق، أو الحكم لهم بذلك؛ لأنَّ الله تعالى أمر جميع الخلق بأنْ لا يعاملوا أحدًا إلا على سبيل الإنصاف، وترك الاعتساف، فالمؤمن يؤثر العدل على الجور والمحاباة، ويجعله فوق الأهواء، وحظوظ النفس، وفوق المحبة والعداوة مهما كان سببهما {اعْدِلُوا}؛ أي: افعلوا العدل، والحق أيها المؤمنون في عدوكم ووليكم {هُوَ}؛ أي: العدل المدلول عليه بقوله: اعدلوا {أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}؛ أي: إلى الاتقاء من معاصي الله تعالى، أو إلى الاتقاء من عذاب الله تعالى، أو إلى التقوى التي أمرتم بها غير مرة.
وهذه (١) الجملة مؤكدة للجملة السالفة، كرره للعناية بأمر العدل، وأنَّه فريضة لا هوادة فيها؛ لأنّه أقرب لتقوى الله تعالى، والبعد عن سخطه، وتركه من أكبر المعاصي، لما ينشأ عنه من المفاسد التي تقوض نظم المجتمعات وتقطع الروابط بين الأفراد، وتجعل بأسهم شديدًا.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} سبحانه وتعالى فيما أمركم به ونهاكم عنه {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فلا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأحوالكم، فيجازيكم عليها.
والمعنى: واتقوا سخطه وعقابه؛ لأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، ظاهرها وباطنها، واحذروا أن يجازيكم بالعدل على ترككم للعدل، وقد مضت سنته في خلقه بأن يجعل جزاء ترك العدل في الدنيا الذلة والمهانة للأمم والأفراد، وفي الآخرة الخزي يوم الحساب.
٩ - {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} بما جاء به محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بالعدل والتقوى وبشرهم بأن يكون {لَهُمْ} في الآخرة {مَغْفِرَةٌ}؛ أي: ستر لذنوبهم ومحو لسيئاتهم {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}؛ أي: ثواب جسيم هو الجنة والرضوان منه تعالى، وهذه الجملة الإسمية مستأنفة استئنافًا بيانيًّا لسؤال مقدر، فكأنه قيل وأي شيء وعدهم؟ فقال المجيب لهم: مغفرة وأجر عظيم.