الآخرة:{آمَنَّا بِهِ}؛ أي: بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه مرّ ذكره في قوله:{مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} فلا يلزم الإضمار قبل الذكر، وقيل: الضمير عائد على الله، وقيل: على العذاب، وقيل: على القرآن، والأول أولى. {وَأَنَّى لَهُمُ}؛ أي: وكيف يمكن لهم {التَّنَاوُشُ}؛ أي: التناول السهل؛ أي: وكيف يمكن لهم أن يتناولوا الإيمان تناولًا سهلًا. {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} فإنّ الإيمان إنما هو في حيّز التكليف، وهي الدنيا، وقد بعد عنهم بارتحالهم إلى الآخرة، وهو تمثيل لحالهم في طلب الخلاص بالإيمان بعدما فات عنهم وبعد بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة - وهي غاية رمية حجر - كتناوله من مقدار ذراع في الاستحالة، {وَأَنَّى} هنا للاستفهام الاستبعادي.
والتناوش: التناول السهل، وقال ابن عباس: التناوش: الرجوع إلى الدنيا، وقرأ الجمهور:{التَّنَاوُشُ} بالواو، وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وأبو بكر: بالهمزة، ويجوز أن يكونا مادّتين إحداهما النون والواو والشين، والأخرى النون والهمزة والشين، وسيأتي البحث عنه في المفردات.
٥٣ - وجملة قوله:{وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ}؛ أي: بمحمد، أو بالعذاب الشديد الذي أنذرهم إياه، {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل ذلك اليوم في وقت التكليف في محل نصب على الحال من فاعل {قَالُوا}؛ أي: وقالوا آمنا به، والحال أنهم قد كفروا بما آمنوا به الآن من قبل هذا الوقت، وذلك حال كونهم في الدنيا.
يعني: تابوا وقد أغلقت الأبواب، وندموا وقد تقطعت الأسباب، فليس إلا الخسران والندم والعذاب والألم.
أي: لا يقدر الإنسان على شيء إذا مات وصار إلى تحت الأرض، كما كان يقدر إذا كان فوق الأرض وهو حيّ، والمعنى: أي: وقالوا حين إذ أخذوا: آمنّا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وكيف يمكن لهم ذلك ويقبل منهم، وقد صاروا بعيدين عن قبول الإيمان؛ إذ هذه الدار ليست أهلًا لقبول التكاليف من الإيمان بالله والعمل الصالح، والحال أنهم قد كفروا به من قبل ذلك اليوم في الدنيا، وجملة قوله:{وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} إمّا معطوف على {وَقَدْ كَفَرُوا} على حكاية الحال الماضية؛ أي: والحال أنهم قد كانوا يتكلّمون بالغي، أو بالشيء الغائب، يقولون: لا بعث