أصروا عليها إلى أن حضرهم الموت، وَيئِسوا من الحياة التي يتمتعون بها، وحينئذ يقول أحدهم: إني تبتُ الآن، وما هو من التائبين بل من المدعين الكاذبين.
والخلاصة: أن التوبةَ لمثل هؤلاء ليست مقبولةً حتمًا، فأمرهم مفوَّضٌ إلى الله تعالى، وهو العليمُ بحالهم، وحديثُ قبول التوبة "ما لم يغرغر" أو تَبلُغ روحه الحلقوم: المرادُ منه حصول التوبة النصوح، بأن يُدركَ المذنبُ قبحَ ما كان قد عمله من السيئات، ويندَمَ على مزاولتها، ويزولَ حبه لها، بحيث لو عاشَ لم يعدْ إليها، وقلَّما يحصل مثل هذا الإدراك للمصر على السيئات المستأنس بها في عامة أيام الحياة، وإنما يَحصل له إدراك العجز عنها، واليأس منها، وكراهةُ ما يتوقعه من قُرْبِ العقاب عليها عندَ الموت.
{وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}؛ أي: وليس قبول التوبة للذين يموتون على الكفر إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب؛ أي: لا تقبل توبة لهؤلاء ولا لهؤلاء، فقد سوى الله بين الذين سوفوا توبتَهم إلى أن حضر الموتُ، وبين الذين ماتوا على الكفر، في أنَّ توبتهم لا تقبل، فكما أن المائتَ على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين، كذلك المسوف إلى حضور الموت فكلٌ منهما جَاوَزَ الحد المضروب للتوبة، إذ هي لا تكون إلا عند التكليف والاختيار.
{أُولَئِكَ} المذكورون من الفريقين {أَعْتَدْنَا} وهيأنا {لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}؛ أي: مؤلمًا موجعًا في الآخرة؛ أي: هذان الفريقان اللذان استعبدَهما سلطان الشهوة، وخرَجَا عن نهج الفطرة، وهُدى الشريعةِ: أعدَدْنا وهيأنا لهم العذابَ الموجعَ في الآخرةِ، جزاءًا وفاقًا لما اكتسَبت أيديهم من السيئات مع إصرارهم عليها حتى المماتِ، إذ أنهم أفسدوا قلوبَهم، ودسوا نفوسَهم، فصارت تهبط بهم خَطَايَاهم إلى الدرك الأسفل من النيران، والهَوَان، وتعجز عن الصعود إلى معاهد الكرامةِ والرضوانِ، وهذه الجملة تأكيدٌ لعدم قبول توبتهم.
١٩ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ ورسوله {لَا يَحِلُّ}، ولا يجوز {لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ} عَيْنَ النساء وذاتها بنكاحِهن {كَرْهًا} أي مكرهات غيرَ راضيات له إذا