٢ - خبر الرسول بعد أن تقوم الدلائل على صدقه فيما يبلغ عن ربه، أو خبر من سمع منه بطريق لا تحتمل ريبا ولا شكّا، وهي طريق التواتر، كالعلم بأخبار الآخرة وأحوالها، والعالم العلوي وأوصافه. وعلينا أن نقف عند ذلك، فلا نزيد فيه شيئا، ولا نخلطه بغيره مما جاء عن طريق أهل الكتاب، أو عن بعض السلف بدون تمحيص ولا تثبّت من صحته، وقد دوّنه المفسرون في كتبهم، وجعلوه من صلب الدين، وهو ليس منه في شيء.
قال أبو الليث - رحمه الله تعالى - في «تفسيره»: اليقين على ثلاثة أوجه: يقين عيان، ويقين دلالة، ويقين خبر. فأما يقين العيان: فهو أنّه إذا رأى شيئا زال الشك عنه في ذلك الشيء. وأما يقين الدلالة: فهو أن يرى الرجل دخانا ارتفع من موضع يعلم باليقين أن هناك نارا وإن لم يرها. وأما يقين الخبر: فهو أنّ الرجل يعلم باليقين أنّ في الدنيا مدينة يقال لها: بغداد وإن لم ينته إليها.
فههنا يقين خبر ويقين دلالة؛ لأنّ الآخرة حقّ، ولأنّ الخبر يصير معاينة عند الرؤية. انتهى. ويقال: علم اليقين ظاهر الشريعة،
وعين اليقين الإخلاص فيها، وحقّ اليقين المشاهدة فيها، ثمّ ثمرة اليقين بالآخرة الاستعداد لها. فقد قيل:
عشرة من المغرورين: من أيقن أنّ الله خالقه ولا يعبده، ومن أيقن أنّ الله رازقه ولا يطمئن به، ومن أيقن أن الدنيا زائلة ويعتمد عليها، ومن أيقن أنّ الورثة أعداؤه ويجمع لهم، ومن أيقن أنّ الموت آت فلا يستعدّ له، ومن أيقن أنّ القبر منزله فلا يعمره، ومن أيقن أنّ الديّان يحاسبه فلا يصحح حجته، ومن أيقن أنّ الصراط ممرّه فلا يخفف ثقله، ومن أيقن أنّ النار دار الفجّار فلا يهرب منها، ومن أيقن أنّ الجنّة دار الأبرار فلا يعمل لها، كما في «التيسير».
قال ذو النون المصريّ: اليقين داع إلى قصر الأمل، وقصر الأمل يدعو إلى الزهد، والزهد يورث الحكمة، والحكمة تورث النظر في العواقب. اه.
٥ - وجملة قوله:{أُولئِكَ} في محل (١) الرفع، إن جعل أحد الموصولين