للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السالفة، وفي الآية (١) دليل على منع المسلمين من مراجعة أهل الكتاب في شيء من العلم.

٢٣ - وقوله: {وَلا تَقُولَنَّ} نهي تأديب؛ أي: ولا تقولنّ يا محمد {لِشَيْءٍ}؛ أي: لأجل شيء تعزم عليه فيما يستقبل من الزمان، {إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ} الشيء {غَدًا}؛ أي: فيما يستقبل من الزمان مطلقًا، فيدخل فيه الغد، وهو اسم لليوم الذي بعد يومك، دخولًا أوليًا، فإنّه نزل حين قالت اليهود لقريش، سلوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، فسألوه - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ائتوني غدًا أخبركم» ولم يستثن؛ أي: لم يقل إن شاء الله، وتسميته استثناءً لأنه يشبه الاستثناء في التخصيص، فأبطأ عليه الوحي أيامًا حتى شق عليه، وكذبته قريش، وقالوا ودّعه ربه وأبغضه، كما مر في أسباب النزول،

٢٤ - {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}؛ أي: إلّا قائلًا إن شاء الله تعالى، فهو استثناء مفرّغٌ من النهي؛ أي: لا تقولن لشيء: إنّي فاعل ذلك غدًا في حال من الأحوال، إلّا في حال تلبسك بالتعليق بالمشيئة على الوجه المعتاد، كأن تقول: إن شاء الله.

والمعنى: أي ولا تقولنّ أيها الرّسول لشيء: إنّي سأفعل ذلك غدًا إلّا أن تقول: إن شاء الله، ذاك أنه ربّما مات المرء قبل مجيء الغد، أو ربما عاقه عائق عن فعله، فإذا لم يقل: إن شاء الله .. صار كاذبًا في ذلك الوعد، ونفر الناس منه.

قال ابن الجوزي (٢): وفائدة الاستثناء أن يخرج الحالف من الكذب، إذا لم يفعل ما حلف عليه، كقوله: في قصة موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا}، ولم يصبر، فسلم من الكذب لوجود الاستثناء في حقه اهـ.

{وَاذْكُرْ رَبَّكَ} يا محمد؛ أي: واذكر مشيئة ربّك؛ أي: قل إن شاء الله {إِذَا


(١) المراغي.
(٢) زاد المسير.