للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

روى قتادة عن ابن عباس أنه قال: أنا من القليل الذي استثنى الله تعالى، كانوا سبعة سوى الكلب.

وفي هذا (١): دلالة على أن المهمّ ليس هو معرفة العدد، بل المهم الاعتبار بذلك القصص، وبما يكون نافعا لعقولنا، وتطهيرا لأخلاقنا، ورقيا في حياتنا الدنيوية، والأخروية، وفي «الفتوحات»: المثبت في حق الله تعالى هو الأعلمية بالمعنى الذي عرفته، وفي حق القليل العالمية، فلا تعارض، وهذا هو الحق، لأنّ العلم بتفاصيل كائنات العالم وحوادثه في الماضي والمستقبل لا يحصل إلا عند الله تعالى، أو عند من أخبره الله تعالى عنها، اهـ رخى».

وبعد أن ذكر سبحانه هذا القصص نهى رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن شيئين: المراء في أمرهم، والاستفتاء في شأنهم، فقال: {فَلا تُمارِ فِيهِمْ}، والفاء لتفريع (٢) النهي على ما قبله؛ أي: إذا عرفت جهل أصحاب القولين الأولين، فلا تجادلهم، ولا تنازعهم {فِيهِمْ}؛ أي: في شأن أصحاب الكهف {إِلَّا مِراءً ظاهِرًا}؛ أي: إلّا جدالًا ظاهرًا غير متعمق فيه، ونزاعًا سهلًا لينًا، وهو أن تقصّ عليهم ما في القرآن من غير تكذيب لهم، في تعيين العدد، ولا تصريح لهم بجهلهم، وتفضيح لهم، فإنه ممّا يخل بمكارم الأخلاق التي بعث لإتمامها، ولا يترتب على ذلك كبير فائدة؛ لأن المقصد من القصة هو العظة والاعتبار، ومعرفة أن البعث حاصل لا محالة، وهذا لا يتوقف على عدد معين، بل تقول هذا التعيين لا دليل عليه، ونحو الآية قوله: {وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ}؛ أي: ولا تسأل في شأن أصحاب الكهف {مِنْهُمْ أَحَدًا}؛ أي: أحدًا من أهل الكتاب، فإنّهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجمًا بالغيب من غير استناد إلى دليل قاطع، ولا نص صريح، وقد جاءك ربك بالحق الذي لا مرية فيه، فهو الحكم المقدم على كل ما تقدم من الكتب والأقوال


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.