للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثمانية أيام {أَحْيَاهُمْ} الله تعالى بدعاء نبيهم حزقيل، فعاشوا دهرًا عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوبًا إلا عاد كالكفن، وبقي ذلك في أولادهم إلى اليوم، وهم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد، فهربوا خوفًا من الموت، فأماتهم الله ثمانية أيام، ثم أحياهم بدعوة نبيهم حزقيل، فعاشوا بعد ذلك دهرًا، وقيل: هم قوم من بني إسرائيل هربوا من الطاعون، فأماتهم الله تعالى وكان (١) في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة، وفي هذه القصة: عبرة على أنه لا يغني حذر من قدر، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ} وإحسان عظيم {عَلَى النَّاسِ} جميعًا، أما (٢) هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم فلكونه أحياهم ليعتبروا، وأما المخاطبون فلكونه قد أرشدهم إلى الاعتبار والاستبصار بقصة هؤلاء {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} هم الكفار {لَا يَشْكُرُونَ} استدراك على ما تضمنه قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} تقديره: إن الله لذو فضل كثير على الناس بالإيجاد والرزق، فيجب عليهم أن يشكروا تفضله وإحسانه، ولكن أكثرهم غير شاكرين فضله تعالى كما ينبغي، أما الكفار فلم يشكروا أصلًا، وأما المؤمنون فلم يبلغوا غاية شكره، وهذه القصة تدل على أن الحذر من الموت لا يفيد، فهذه القصة تشجع الإنسان على الإقدام على طاعة الله تعالى كيف كان، وتزيل عن قلبه الخوف من الموت، فكان ذكر هذه القصة فضلًا وإحسانًا من الله تعالى على عبيده؛ لأن ذكر هذه القصة سبب لبعد العبد عن المعصية وقربه من الطاعة.

٢٤٤ - {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قيل: هو خطاب للذين أحياهم، فعلى هذا القول في الكلام محذوف تقديره: ثم أحياهم الله، فقال لهم: قاتلوا في سبيل الله، وقيل: هو خطاب لأمة محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، ومعناه: لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء، فلم ينفعهم ذلك؛ أي: قاتلوا في طاعة الله مع عدوكم؛ أي: لإعلاء دينه لا لغنيمة ولإظهار شجاعة، وسميت (٣) العبادات سبيلًا إلى الله


(١) ابن كثير.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراح.