تناصركم وتعاونكم تجاه ولاية الكفار بعضهم لبعض عليكم، ومن الوفاء بالعهود - والمواثيق مع الكفار إلى أن ينقضي عهدهم وينبذوه على سواءٍ .. يقع من الفتنة والفساد في الأرض ما فيه أعظم الضرر عليكم، بتخاذلكم الذي يفضي إلى فشلكم وظفر الأعداء بكم، واضطهادكم في دينكم بصدكم عنه، كما وقع ذلك بضعفائكم بمكة قبل الهجرة.
٧٤ - ثم فضل الله سبحانه وتعالى المهاجرين والأنصار على غيرهم، فقال:{وَالَّذِينَ آمَنُوا} بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن {وَهَاجَرُوا} من مكة إلى المدينة {وَجَاهَدُوا}؛ أي: قاتلوا الكفار {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: في طاعة الله تعالى، لإعلاء كلمته. لم يقل هنا بأموالهم وأنفسهم؛ اكتفاءً بما سبق {وَالَّذِينَ آوَوْا}؛ أي: وطّنوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالمدينة {وَنَصَرُوا} محمدًا - عليه الصلاة والسلام - يوم بدر {أُولَئِكَ} المذكورون من المهاجرين والأنصار {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}؛ أي: صدقًا يقينًا؛ أي: هم المؤمنون حقَّ الإيمان وأكمله، دون من لم يهاجر وأقام بدار الشرك ولم يغز مع المسلمين عدوهم {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} تامة من ربهم، كاملة ساترة لجميع ما فرط منهم من السيئات {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}؛ أي: ثواب جسيم وجزاء حسن في الآخرة؛ لأنهم قد تركوا الأهل والوطن، وبذلوا النفس والمال، وأعرضوا عن سائر اللذات الجسمانية، وعملوا ما يقرِّبهم من ربهم في دار النعيم.
فإنْ قلت (١): ما معنى هذا التكرار؟
قلتُ: ليس فيه تكرار؛ لأنَّه سبحانه وتعالى ذكر في الآية الأولى حكم ولاية المهاجرين والأنصار بعضهم بعضًا، ثم ذكر في هذه الآية ما منَّ به عليهم من المغفرة والرزق الكريم، وقيل: إنَّ إعادة الشيء مرةً بعد أخرى تدل على مزيد الاهتمام به، فلما ذكرهم أولًا، ثم أعاد ذكرهم ثانيًا .. دل ذلك على تعظيم شأنهم وعلوِّ درجاتهم، وهذا هو الشرف العظيم.