للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالعذاب الدنيوي وهو ما أصابهم يوم بدر من القتل والأسر.

وفي "التأويلات النجمية"؛ أي: أذقناهم مقدمات العذاب دون شدائده تنبيهًا لهم {فَمَا اسْتَكَانُوا}؛ أي: ما خضعوا وتذللوا {لربهم}؛ أي: بالانقياد الظاهري، بل أقاموا على ما كانوا فيه من التمرد على الله، والانهماك في معاصيه. {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}؛ أي: وما يخشعون لله بقلوبهم في الشدائد عند إصابتها لهم، ولا يدعونه لرفع ذلك، والظاهر أن آية {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ} مع الآيتين بعدها مدنيات فإن إصابتهم بالقحط إنما كانت بعد خروجه - صلى الله عليه وسلم - من بينهم، كما يدل عليه تفسير الشديد بقتلهم يوم بدر، وهذا إنما كان بعد الهجرة. اهـ. "جمل".

والمعنى: أي محناهم بكل (١) محنة من القتل والأسر، والجوع الذي هو أشد منهما. فما رؤي منهم لين انقياد وتوجه إلى الإِسلام قط. وأما ما أظهره أبو سفيان من الشكوى، كما مر في أسباب النزول، فليس من الاستكانة له تعالى، والتضرع إليه تعالى في شيء، وإنما هو نوع خشوع إلى أن يتم غرضه، فجاء، كما قيل: إذا جاع ضغا، وإذا شبع طغى، وأكثرهم مستمرون على ذلك العناد.

٧٧ - {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} هو عذاب الأخرة {إِذَا} فجائية واقعة في جواب الشرط {هُمْ فِيهِ}؛ أي: في ذلك العذاب {مُبْلِسُونَ}؛ أي: متحيرون آيسون من كل خير؛ أي: أكثرهم (٢) مستمرون على ذلك العناد إلى أن يروا عذاب الآخرة، فحينئذٍ يبلسون كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢)} وقوله تعالى: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥)} قال عكرمة: هو باب من أبواب جهنم عليه من الخزنة أربع مئة ألف، سود وجوههم، كالحة أنيابهم، قد قلعت الرحمة من قلوبهم، إذا بلغوه فتحه الله عليهم. نسأل الله العافية من ذلك، والمبلس: الآيس من الشر الذي ناله.

والمعنى: أي (٣) حتى إذا جاءهم أمر الله، وجاءتهم الساعة بغتة، وأخذهم


(١) المرام.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.