للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي وإنا لفي شك من دعوتك إلى عبادته تعالى وحده، دونَ أن نتوسَّل إليه بأحد من الشفعاء، المقربين عنده تعالى، ولا أن نُعَظِّم ما وضَعه آباؤنا لهم من صور وتماثيل، تذكّرُنا بهم، فكل هذا يوجب الريبَ والتهمةَ، وسوء الظن، وعدمَ الطمأنينة إلى دعوتك.

والخلاصة: إننا لفي شك مِمَّا تدعونا إليه من عبادة الله وحده، وترك عبادة الأوثان موقع في الريب، و (إنا) و (إننا) (١) لغتان لقريش قال الفراء: مَنْ قال إنَّنا أَخْرج الحرفَ على أصله؛ لأنَّ كناية المتكلمين (نا) فاجتمعت ثلاث نونات، ومن قال: (إنا) استثقل اجتماعَها فأسقط الثالثةَ، وأبْقَى الأولتين، انتهى. والذي أختاره أنَّ (نا) ضمير المتكلمين، لا تكون المحذوفة؛ لأنَّ في حذفها حَذْف بَعْضِ اسم، وبقي منه حرف ساكن، وإنما المحذوفة النون الثانية من (إنَّ) فحذفت لاجتماع الأمْثال، وبقي من الحرف (الهمزة) والنون الساكنة، وهذا أولى من حذف ما بقي منه حرف، وأيضًا فقد عهد حذف هذه النون مع غير ضمير المتكلمينَ، ولم يُعْهَدْ حذف نون (نا) فكان حَذْفُها من إنَّ أوْلَى،

٦٣ - فأجابهم صالح فـ {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ}؛ أي: أخْبِرُوني عن حالي معكم، {إِن كُنْتُ} في الحقيقة {عَلَى بَيِّنَةٍ}؛ أي: على بصيرة، وبرهان صادر {مِنْ رَبِّي} ومالك أمري {وَآتَانِي}؛ أي: أعطاني {مِنْهُ رَحْمَةً} تعالى؛ أي: من قِبَله رِحمةً خاصةً من عنده، جَعَلني بها نبيًّا مرسلًا إليكم، وهذه الأُمورُ (٢)، وإن كانت متحققةَ الوقوع، لكنَّها صدرت بكلمة الشك، اعتبارًا بحال المخاطبين؛ لأنهم في شك من ذلك، كما وَصَفوه عن أنفسهم، والاستفهام في قوله: {فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ} استفهام إنكار بمعنى النفي؛ أي: فمن يمنعني، ويُنْجِيني ويحفظني من عذاب الله {إِنْ عَصَيْتُهُ} تعالى، وخالَفْتُه بالمساهلة في تبليغ الرسالة، وفي المَجاراة معكم؛ أي: فَمَنْ يَنصُرَني منجيًا من عذابه تعالى، أي لا ناصرَ لي يمنعني من عذاب الله {إِنْ عَصَيْتُهُ}، وخالفته في تبليغ الرسالة، وراقبتكم، وفترت عما يجِبُ عليّ من البلاغ {فَمَا تَزِيدُونَنِي} بتثبيطكم إياي {غَيْرَ


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.