للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الملة. فقال تعالى له: {قُلْ} يا محمد - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء المشركين: {إِنِّي أُمِرْتُ} من جانبه تعالى بـ {أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} سبحانه، وحده، حال كوني {مُخْلِصًا لَهُ} تعالى {الدِّينَ}؛ أي: العبادة من الشرك والرياء، بأن يكون المقصود من العبادة هو المعبود بالحق، لا غير.

والمعنى (١): أي قل أيها الرسول لمشركي قومك: إن الله سبحانه، أمرني أن أعبده مفردًا له الطاعة، دون كل ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد، وفي هذا نعي لهم، على تماديهم في عبادة الأوثان، والكلام عليه من وادي قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة.

١٢ - {وَأُمِرْتُ} بذلك {لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} من هذه الأمة؛ أي: لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة؛ لأن السبق في الدين، إنما هو بالإخلاص فيه، فمن أخلص عد سابقا، فإذا كان الرسول، متصفا بالإخلاص قبل إخلاص أمته ..

فقد سبقهم في الدارين، إذ لا يدرك المسبوق مرتبة السابق، ألا ترى إلى الأصحاب مع من جاء بعدهم، والظاهر (٢): أن اللام زائدة، فيكون كقوله تعالى: {أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ}، فالمعنى: وأمرت أن أكون أول من أسلم من أهل زماني؛ لأن كل نبي يتقدم أهل زمانه في الإسلام والدعاء إلى خلاف دين الآباء، وإن كان قبله مسلمون، قال بعضهم: الإخلاص: أن يكون جميع الحركات في السر والعلن لله تعالى وحده، لا يمازجه شيء.

وقال الزمخشري: فإن قلت (٣): كيف عطف {أُمِرْتُ} على {أُمِرْتُ} وهما واحد؟.

قلت: ليسا بواحد لاختلاف جهتيهما، وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء، والأمر به لتحرز به قصب السبق في الدين شيء آخر، وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه، ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين، انتهى.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) الكشاف.