يَسْتَكْبِرُونَ}؛ أي: لا يتكبرون عن قَبول الحق إذا فهموه، كما استكبر اليهود والمشركون من أهل مكة؛ يعني: لا يتعظمون عن الإيمان والإذعان للحق. والمعنى: أن السبب (١) في هذه المودة أن منهم قسيسين يتولون تعليمهم التعليم الديني، ويهذبون أخلاقهم، ويربون فيهم الآداب والفضائل، ورهبانًا يعودونهم الزهد والتقشف والإعراض عن زخرف الدنيا ونعيمها، ويكبرون في نفوسهم الخوف من الله تعالى، والانقطاع لعبادته، وأنهم لا يستكبرون عن الإذعان للحق إذا ظهر أنه الحق؛ إذ من فضائل دينهم التواضع والتذلل والخضوع لكل حاكم، بل إنهم أمروا بمحبة الأعداء، وإدارة الخد الأيسر لمن ضرب الخد الأيمن، فكل أولئك يؤثر في جمهور الأمة وسوادها الأعظم، وقد عهد من النصارى قبول سلطة المخالف لهم طوعًا واختيارًا، بخلاف اليهود فإنهم إذا أظهروا الرضا اضطرارًا .. أسروا الكيد، وأضمروا المكر؛ لأن الشريعة اليهودية تولد في نفوسهم العصبية الجنسية، والحمية القومية؛ لأنها خاصة بشعب إسرائيل، وأحكامها ونصوصها مبنية على ذلك.
٨٣ - {وَإِذَا سَمِعُوا}؛ أي: وإذا سمع أولئك الذين قالوا: إنا نصارى {مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ} محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وهو القرآن {تَرَى أَعْيُنَهُمْ}؛ أي: تبصر أيها المخاطب الحاضر عندهم أعين أولئك السامعين {تَفِيضُ} وتسيل {مِنَ الدَّمْعِ} وهو ماء العين؛ أي: تمتلىء من الدمع حتى يسيل ويتدفق من جوانبها لكثرته.
وقرىء:{تَرَى أَعْيُنَهُمْ} بالبناء للمجهول. {مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ}؛ أي: لأجل ما عرفوه من الحق الذي بينه لهم القران، ولم يمنعهم من قبوله ما يمنع غيرهم من عتو واستكبار، أو مما عرفوا في كتابهم من نعت محمد - صلى الله عليه وسلم -. ثم ذكر سبحانه ما يكون منهم من القول إثر بيان ما كان من حالهم فقال:{يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا}؛ أي: ترى أعينهم تفيض من الدمع حالة كونهم يقولون: ربنا ويا مالك