للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبنائهم إلى يوم القيامة؟ قال: "ثكلتك أمك يا ابن لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أوليست هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء".

ومغزى هذا: أن العبرة في الأديان هو العمل بها، والاهتداء بهديها، وقد كان أهل الكتاب في ذلك العصر أبعد ما كانوا عن هداية دينهم مع شدة عصبيتهم الجنسية له، كما هو شأن المسلمين اليوم. وهذه الشهادة لبعض أهل الكتاب بالقصد والاعتدال لها نظائر في آيات أخرى كقوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)}. وقوله: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} الآية.

٦٧ - {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} الكريم والنبي الحليم محمد - صلى الله عليه وسلم - {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}؛ أي: أوصل إلى الخلق جميع ما أنزل إليك {مِنْ رَبِّكَ}؛ أي: من مالك أمرك ومبلغك إلى كمالك مجاهرًا به، ولا تخش في ذلك أحدًا، ولا أن ينالك من ذلك مكروه أبدًا، ولا تترك شيئًا مما أنزل إليك من ربك ثم أكد ما سلف بقوله: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ}؛ أي: وإن لم تفعل ما أمرت به من تبليغ جميع ما أنزل إليك، بأن أخفيت شيئًا من ذلك في وقت من الأوقات أو كتمته، ولو إلى حين خوفًا من الأذى بالقول أو بالفعل {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}؛ أي: رسالة ربك؛ أي: فحسبك جرمًا أنك ما بلغت الرسالة ولا قمت بما بعثت لأجله وهو تبليغ الناس ما أنزل إليهم من ربهم كما قال تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}. قال ابن عباس (١) رضي الله تعالى عنهما: يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك .. لم تبلغ رسالتي، يعني أنه - صلى الله عليه وسلم - لو ترك إبلاغ البعض .. كان كمن لم يبلغ شيئًا مما أنزل الله إليه، وحاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكتم شيئًا مما أوحي إليه. روى مسروق عن عائشة رضي الله عنها. قالت: من حدثك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئًا مما أنزل إليه .. فقد كذب ثم قرأت: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} أخرجاه في


(١) الخازن.