للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للمشركين على قتال المؤمنين، دحضًا لشوكتهم، وقد حدث ذلك منذ ظهور الإِسلام إلى نزول هذه السورة، فقد كتب حاطب بن أبي بلتعة، وهو من أهل بدر، وقد استخفته نعرة القرابة إلى مشركي مكة خفيةً، يعلمهم بما عزم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من قتالهم؛ ليتخذ له بذلك يدًا عندهم يكافؤنه عليه بحماية ما كان له عندهم من قرابة، وفي ذلك نزلت سورة الممتحنة، للنهي عن موالاة أعداء الله وأعدائهم {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} أيها المؤمنون، وهم على تلك الحال في الدين {فَأُولَئِكَ} المتولون لهم {هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنفسهم ولجماعتهم، بوضعهم الموالاة في غير موضعها، فهم قد وضعوا الولاية في موضع البراءة والمودة في محل العداوة وقد حملهم على هذا الظلم نعرة القرابة وحمية الجاهلية، وذكر (١) الآباء والإخوان لأنهم أهل الرأي والمشورة، ولم يذكر الأبناء هنا لأنهم في الغالب تبع لآبائهم، وقرأ عيسى بن عمر: {أن استحبوا}، بفتح الهمزة، جعله تعليلًا وغيره بكسرها جعله شرطًا.

والخطاب (٢) في هذه الآية للمؤمنين كافة وهو حكمٌ باقٍ إلى يوم القيامة، يدل على قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين. وقالت طائفة من أهل العلم: إنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر، فيكون الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب، نهوا بأن يوالوا الآباء والإخوة، فيكونون لهم تبعًا في سكنى بلاد الكفر، ثم حكم على من يتولى من استحب الكفر على الإيمان, من الآباء والإخوان بالظلم، فدل ذلك على أن تولي من كان كذلك من أعظم الذنوب وأشدِّها. ولمَّا نزلت هذه الآية السابقة ..

٢٤ - قال الذين أسلموا ولم يهاجروا: إن نحن هاجرنا .. ضاعت أموالنا وذهبت تجارتنا، وخربت دورنا وقطعنا أرحامنا، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {قُلْ}؛ أي: قل يا محمَّد لهؤلاء الذين قالوا هذه المقالة: {إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ}؛ أي: حواشيكم {وَأَزْوَاجُكُمْ}؛ أي: زوجاتكم {وَعَشِيرَتُكُمْ}؛ أي: أهلكم الأدنون الذين تعاشرونهم،


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.