للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٠٠ - {وَرَفَعَ} يوسف {أَبَوَيْهِ} عند نزولهم بمصر، وكانوا اثنين وسبعين رجلًا وامرأة، وكانوا حين خرجوا منها مع موسى عليه السلام ست مئة ألف وخمس مئة وبضعًا وتسعين، أو سبعين رجلًا سوى الذرية والهرمى، وكانت الذرية ألف ألف ومئتي ألف. {عَلَى الْعَرْشِ}؛ أي: على السرير الرفيع الذي كان يجلس عليه يوسف؛ أي: أجلسهما معه على سرير الملك تكرمة لهما فوق ما فعله لإخوته، واشتركوا في دخول دار يوسف، لكنهم تباينوا في الإيواء، فانفرد الأبوان بالجلوس معه على سرير الملك، لبعدهما من الجفاء، كذا غدًا إذا وصلوا إلى الغفران يشتركون فيه في دخول الجنة، ولكنهم يتباينون في بساط القربة، فيختص به أهل الصفاء دون من اتصف اليوم بالالتواء. {وَخَرُّوا}؛ أي: سقط أبوا يوسف وإخوته على الأرض {لَهُ}؛ أي: لأجل ملاقاة يوسف واجتماعهم معه {سُجَّدًا}؛ أي: حالة كونهم مقدرين السجود بوضع الجبهة شكرًا لله تعالى على نعمة الاجتماع معه، وكان يوسف كالقبلة لهم كما سجدت الملائكة لآدم، فإن الله تعالى أمر يعقوب بالسجود لحكمة خفية، وذلك لإزالة الاستعلاء والتكبر عن قلوب إخوته؛ لأنهم لو لم يفعلوا ذلك السجود؛ لظهرت الأحقاد القديمة بعد كمونها، فالسجود لإزالتها، وكان ذلك جائزًا في ذلك الزمان.

فلما جاءت هذه الشريعة نسخت تلك الفعلة، فقوله: {سُجَّدًا} حال مقدرة كما أشرنا إليه في الحال؛ لأن السجود إنما يكون بعد الخرور.

وقيل: المراد بالسجود هنا: الانحناء لا وضع الجبهة على الأرض، والمعنى: أهوى أبوا يوسف وإخوته عن القيام والانتصاب تحية وتكرمة له حالة كونهم سجدًا؛ أي: منحنين بظهورهم، وكان ذلك تحية الملوك والعظماء في عهدهم كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد ونحوها من عادات الناس الناشئة في التعظيم والتوقير.

والرفع في قوله: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ} مؤخر عن الخرور في قوله: {وَخَرُّوا لَهُ}؛ إذ السجود له كان قبل الصعود على السرير في أول الملاقاة؛ لأن ذلك هو وقت التحية إلا أنه قدم لفظًا؛ للاهتمام بتعظيمه لهما، والترتيب الذكري لا يجب كونه