للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان، فتعانقا وبكيا سرورًا وبكت ملائكة السموات وماج الفرسان بعضهم في بعض، وصهلت الخيول وسبَّحت الملائكة، وضرب بالطبول والبوقات، فصار كأنه يوم القيامة قال يوسف: يا أبت بكيت عليّ حتى ذهب بصرك، ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ فقال: بلى، ولكن خشيت أن يسلب دينك، فيحال بيني وبينك، نسأل الله الثبات على الإيمان إنه الكريم المنان - آمين -.

{وَقَالَ} يوسف لجميع أهله قبل أن يدخلوا مصر: {ادْخُلُوا مِصْرَ} للإقامة بها {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى دخولكم حالة كونكم {آمِنِينَ} من الجوع والخوف وسائر المكاره قاطبة على أنفسكم وأموالكم وأهليكم لا تخافون أحدًا؛ لأنهم كانوا قبل ولاية يوسف يخافون ملوك مصر، ولا يدخلونها إلا بإجازتهم لكونهم جبابرة. قيل (١): المراد بالدخول الأول في قوله: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ} أرض مصر، وذلك حين استقبلهم، ثم قال: {ادْخُلُوا مِصْرَ} يعني البلد. وقيل: إنه أراد بالدخول الأول دخولهم مصر، وأراد بالدخول الثاني الاستيطان بها؛ أي: ادخلوا مصر مستوطنين فيها.

والمشيئة في قوله: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} متعلقة بالدخول والأمن معًا كقولك للغازي: إرجع سالمًا غانمًا إن شاء الله، فالمشيئة متعلقة بالسلامة والغنم معًا. والتقدير: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله تعالى.

والمعنى: أي (٢) وقال لهم يوسف: ادخلوا بلاد مصر إن شاء الله تعالى آمنين على أنفسكم وأنعامكم من الجوع والهلاك، فإن سني القحط كانت لا تزال باقية، وذكر المشيئة في كلامه للتبرؤ من مشيئته وحوله وقوته إلى مشيئة الله الذي سخر ذلك لهم، وسخر ملك مصر وأهلها له ثم لهم. وهذا من شأن المؤمنين، ولا سيما الأنبياء والصديقون.


(١) الخازن.
(٢) المراغي.