للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأموال، وملكوا مثله معه، وقبل ذلك منهم يوم القيامة .. لافتدوا به أنفسهم من أهوال ذلك العذاب الشديد، الذي سيعذبون به، وقد تقدم إيضاح هذا في سورة آل عمران.

٤٨ - {وَبَدَا لَهُمْ}؛ أي: وظهر لهم في ذلك اليوم الرهيب {مِنَ} عذاب {اللَّهِ} سبحانه وفنون العقوبات. {مَا لَمْ يَكُونُوا} في الدنيا. {يَحْتَسِبُونَ} به ويظنونه؛ أي: بدا لهم يوم القيامة من فنون العذاب، ما لم يكن في حسابهم وظنهم في الدنيا أنه نازل بهم يومئذ؛ أي: وظهر لهم من عذاب الله، الذي أعدّه لهم ما لم يكن في حسبانهم، ولم يحدّثوا به أنفسهم، وفي هذا وعيد عظيم لهم، وتهديد بالغ غايةً لا غاية وراءها، قال مجاهد: عملوا أعمالًا توهموا أنها حسنات، فإذا هي سيئات، وعن سفيان الثوري: أنه قرأها فقال: ويل لأهل الرياء، ويل لأهل الرياء من هذه الآية. {وَبَدَا لَهُمْ}؛ أي: ظهر لهم في ذلك اليوم حين تعرض عليهم صحائف أعمالهم. {سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} في الدنيا؛ أي: ظهر لهم جميع ما اجترحوه من السيئات، وارتكبوه من الآثام، وعلموا أنهم مجازون على النقير والقطمير {وَحَاقَ بِهِمْ}؛ أي: نزل وأصاب وأحاط بهم {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}؛ أي: وبال استهزائهم، وجزاء مكرهم، وكانوا يستهزئون بالكتاب، ويسخرون من المسلمين، ويهزؤون بالبعث والعذاب، ونحو ذلك؛ أي: أحاط بهم العذاب من كل الجوانب، وأيقنوا أنهم مواقعوه لا محالة؛ لاستهزائهم بما كانوا ينذرهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

٤٩ - قوله: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ} المراد بالإنسان هنا (١): الجنس، باعتبار بعض أفراده أو غالبها، وقيل: المراد به: الكفار فقط، والأول أولى، ولا يمنع حمله على الجنس خصوص سبَبِه؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ وفاءً بحق النظم القرآني، ووفاءً بمدلوله، و {الفاء}: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أنّ المشركين ليشمئزّون عن ذكر الله وحده، ويستبشرون بذكر الآلهة، وأردت بيان حالهم فيما إذا أصابهم الضر .. فأقول لك. إن شأن غالب نوع الإنسان أنه إذا مسه {ضُرٌّ} من مرض أو فقر أو غيرهما، {دَعَانَا} وتضرع إلينا في رفعه ودفعه؛ أي: دعوا لدفعه من اشمأزوا عن ذكره، وهو الله سبحانه وتعالى، فيا


(١) الشوكاني.