آثارهم في رحلاتهم للتجارة في الشام والعراق واليمن، فقد خلت منهم منازلهم، وسلبوا ما كانوا فيه من النعيم بعد كمال القوة وكثرة العدد والعدد وكثرة المال والولد، وما أغنى ذلك عنهم شيئًا، ولا دفع عنهم من عذابه لما جاء أمره؛ لأنه لا يعجزه شيء إذا أراده.
ثم ذكر حلمه بعباده، وأنه لو أخذهم بما اجترحوا من السيئات ما ترك على ظهر الأرض إنسانًا يدبّ على وجهها, لكنّه أخر عقابهم إلى يوم القيامة فيحاسبهم ويوفي كل عامل جزاء عمله إن خيرًا فخير، وان شرًا فشر، وهو البصير بحال عباده.
أسباب النزول
قوله تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ...} الآية، سبب نزول هذه الآية (١): ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن أبي هلال أنه بلغه أن قريشًا كانت تقول: لو أن الله بعث منّا نبيًا .. ما كانت أمة من الأمم أطوع لخالقها, ولا أسمع لنبيّها, ولا أشد تمسكًا بكتابها منا، فأنزل الله سبحانه قوله: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨)}، وقوله:{لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ}، وقوله:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}، وكانت اليهود تستفتح به على النصارى فيقولون: إنا نجد نبيًّا يخرج.
التفسير وأوجه القراءة
٣٦ - ولمّا فرغ سبحانه وتعالى من ذكر جزاء عباده الصالحين .. ذكر جزاء عباده الطالحين، فقال:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: جحدوا بوجود الله سبحانه، أو كفروا بوحدته {لَهُمْ} بمقابلة كفرهم الذي هو أكبر الكبائر وأقبح القبائح، {نَارُ جَهَنَّمَ} التي لا تشبه نارًا، {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ}؛ أي: لا يحكم عليهم بموتٍ ثانٍ، {فَيَمُوتُوا} ويستريحوا من العذاب، ونصبه بأن مضمرة في جواب النفي {وَلَا